وعلى الخطيب أن يحذر كل الحذر من الإسرائيليات، وهذه هي أهم وصية نوصي الخطيب بها، أن يكون عماد درسه أو خطبته القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة وأقوال السلف الصالح، وعدم الجري وراء القصص المملة والإسرائيليات الموضوعة؛ فإن ذلك موضوع نقد شديد وشكوى كثيرة من الجمهور للخطيب. ثم إنه ينبغي أن لا يغفل جانب الخطورة التي تعود على المسلمين من رواية الإسرائيليات؛ نظرًا لما تحويه من أباطيل وخرافات، نسب بعضها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين، وذلك من حيث إنها تفضي إلى الآتي:
أولًا: إن هذه الإسرائيليات تظهر الإسلام بمظهر الدين الذي يهتم بالترهات والأساطير، والأباطيل التي لا أصل لها، كما أنها تظهره في صورة دين خرافي يعشق الخرافات ويطير وراءها، ويعنى بأوهام من صنع الخيال.
ثانيًا: إن رواية مثل هذه الإسرائيليات تكاد تصرف الناس عن ما هو أهم في دينهم ودنياهم، وتشغلهم بالتوافه والصغائر عن البحث في الأحكام والتفاصيل المهمة، وعن التدبر في آيات القرآن والانتفاع بعبره وعظاته وقصصه الحق، مع أن شغل الناس بمثل هذه الأمور مضيعة للوقت، فيما لا فائدة من معرفته، وما يعتبر البحث عنه عبثًا محضًا.
ثالثًا: أنها تعطي معلومات عن الكون ونظامه وسننه التي يسير عليها، ذلك أن كل ما خلقه الله تعالى قائم على سنن وقوانين شرعها الله تعالى، وجعلها نظامه الذي لا محيص عنه ولا خروج على حدوده، لكن نظرة في ما يرويه بعض المفسرين والواعظين تخيل للشخص أن هناك أمورًا تجري هكذا دون ما سبب أو ما مسبب، كيف والله يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر: 49) ويقول: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (الفرقان: 2).
رابعًا: إن مثل هذه الروايات لا تذكر هكذا وإنما تنسب إلى بعض الصحابة والتابعين، الأمر الذي يسيء إلى سمعة صحابة أجلاء وتابعين كرام ويهز الثقة فيهم.