المصباح ولا يضمن له أن يرى به إذا كان في عينيه رمد، حتى إن أرسطو واضع كتاب (الخطابة) لم يكن خطيبًا. وليس علم الخطابة بدعًا في ذلك، فعلم النحو لا يضمن لمتعلمه أن ينطق بالفصحى ما لم يتمرن عليها، وعلم الأخلاق لا يضمن لعارفه سلوكا قويمًا ما لم يروض نفسه على الأخذ به، وعلم العروض لا يكوِّن شاعرًا، وعلم المنطق يسن قانونًا لاعتصام الذهن، ولا يضمن للعالم به عصمة الذهن ما لم يروض نفسه عليه رياضة كاملة، وهكذا كل العلوم النظرية التي تظهر ثمرتها في العمل، تعطي من يريدها قانونًا يساعده ولا تضمن له العمل إلا إذا راض نفسه على قانونها.
الخطابة لغة: مصدر خطب يخطب خطبة وخطابة. جاء في (مختار الصحاح): "خطب الخطب سبب الأمر. تقول: ما خطبك؟ أي ما أمرك، وتقول: هذا خطب جليل وخطب يسير، وجمعه خطوب، قاله الأزهري. وخاطبه بالكلام مخاطبة وخطابًا، وخطب على المنبر خطبة -بضم الخاء- وخطابة، وخطب المرأة في النكاح خطبة -بكسر الخاء- يخطب، بضم الطاء فيهما -في خطبة النكاح وخطبة المنبر- واختطب أيضًا فيهما، وخطب من باب ظرف صار خطيبًا".
وقال الراغب في (المفردات في غريب القرآن): "خطب الخطب والمخاطبة والتخاطب المراجعة في الكلام، ومنه: الخُطبة والخِطبة، لكن الخُطبة تختص بالموعظة والخِطبة بطلب المرأة.