المقدمة ليخفف من هذه الكراهية ولو مؤقتًا، ويتطلب منهم تناسي الحزازة والحكم البريء. أو تكون الفكرة التي يدعو إليها الخطيب بغيضة إليهم، كأن يدعو إلى تقييد التعليم في جمع من المتعلمين، أو إلى الاشتراكية في جمع من المالكين، أو إلى التحلل من قيود الدين في مجتمع من المتدينين، أو إلى الخضوع لأحكام الدين في جمهور من الماجنين، فيقدم خطبته بكلمة ملطفة لهذه الخصومة، مخففة لما في نفوسهم من عداء سابق لما يدعو إليه؛ إذ يدعو الجمع إلى الخضوع للحق والتجرد من التعصب للهوى ولو فترة من الزمن، وفي غير هذه الأحوال لا حاجة إلى مقدمة. وحتى تكون المقدمة جيدة يشترط لها شروط:
الأول: أن تكون متصلة بالموضوع نفسه لتخدمه وتمهد له. ومثال ذلك خطبة أبي بكر -رضي الله عنه- يوم السقيفة، فقد قدم للموضوع -وهو أن المهاجرين أولى بالخلافة من الأنصار- بهذه المقدمة، قال -رضي الله عنه: "إن الله بعث محمدًا رسولًا إلى خلقه وشهيدًا على أمته؛ ليعبدوا الله ويوحدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، ويزعمون أنها لهم عندهم شافعة ولهم نافعة، وإنما هي من حجر منحوت وخشب منجور، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وقالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه".
ثانيًا: أن تكون المقدمة واضحة مناسبة لعقول السامعين، موزونة المعاني دقيقة التعبير؛ لأن السامعين في أول الخطبة أبصر بالنقد وأقرب إلى العناد، حتى إذا بهرهم الخطيب أسلسوا له القياد.