لمحاسنه- ضمن للمتكلم حسن الإصغاء وكمال الانتباه، وعلى هذا يكون الغرض من الحديث عن أجزاء الخطبة أو تنسيقها أو أركانها هو خروجها كاملة، أو قريبة من الكمال. وهذه الأجزاء أو الأركان -التي سنذكرها- ليست ملزمة للخطيب؛ فقد يرى الخطيب أن الموقف لا يحتاج إلى بعض الأجزاء أو الأركان، فيستغني عنه وإنما نذكرها للاستئناس بها، ولأن الخطب في أغلب الأحيان تشتمل عليها، ويكون كمالها وتنسيقها في تحقيق كل أجزائها. ولقد قسم أرسطو الخطبة إلى أربعة أجزاء: المقدمة، والعرض، والتذليل، والخاتمة.
أما المقدمة فهي من الخطبة كالمطلع من القصيدة، كل منهما يمهد لما بعده ويعد السامعين إلى الإصغاء. والمقدمة أول ما يطرق الأسماع من الخطبة، فإن كانت جيدة أصغى السامعون وتأهبوا لما بعدها، وتفتحت نفوسهم للخطيب، وإلا كانت نذيرًا بفشله وتفاهة أثره. وكثيرًا ما تتخذ المقدمة وسيلة لأن يسود الصمت بعد هرج حدث إثر خطبة سابقة، أو من جراء مناقشة في موضوع الخطبة قبل سماع الرأي فيها، أو اضطراب لسبب من الأسباب.
ولقد تكون المقدمة ضرورية لا يستغني عنها الخطيب، كأن يكون الخطيب مجهولًا لا صلة للسامعين به، فيعتمد على المقدمة لعقد هذه الصلة، أو يكون الموضوع الذي يخطب فيه مجهولًا للسامعين، أو لا يثير اهتمامهم؛ لأنه لا يمس صالحهم. فيعتمد الخطيب على المقدمة لتوضيح أهمية الموضوع وبيان قيمته، حتى يتصل بقلوبهم فيعوا ما يقال عنه، أو يكون الخطيب مبغضًا إلى السامعين لأنه من غير حزبهم، أو لمقالة سوء ذاعت عنه، أو لأنه كان قد حكم فظلم فيلجأ إلى