هذه الأعمال الثلاثة بعد تروية وإمعان وتفكير وفي زمن طويل، وذلك في الخطب التي تهيأ وتحضر وتعد إعدادًا، ومهما يكن من حال الخطيب والخطبة فتلك الأعمال الثلاثة لا بد أن تكون".
وقد جاء في كتاب (علم الخطابة) للعالم "لويس شيخو": "قال ابن المعتز والشيباني: إن البلاغة بثلاثة أمور: أن تغوص لحظة القلب في أعماق الفكر، وتتأمل لوجوه العواقب، وتجمع بين ما غاب وما حضر، ثم يعود القلب على ما أعمل الفكر، فيحكم سياق المعاني والأدلة ويحسن تنضيدها، ثم تبديه بألفاظ رشيقة مع تزيين معارضها واستعمال محاسنها.
قال بعض الحكماء: العلوم الأدبية مطالعها من ثلاثة أوجه: قلب مفكِّر وبيان مصوِّر ولسان معبِّر، ويسمى العمل الأول: إيجادًا أو اخترعًا، والثاني: التنسيق، والثالث: التعبير، وتلك هي الأركان التي تقوم عليها الخطبة، والعناصر التي تتحد في تكوينها".
ونحن نسميها أركانًا للخطبة جريًا على الغالب، ولكنها في الواقع ليست أركانًا حتمية في كل خطبة، بحيث تكون الخطبة التي تخلو من جزء أو ركن منها مختلة ناقصة، أو لا تستحق أن تسمى خطبة، وإنما هو عمل فني يراد به جعل الخطبة أدنى إلى الدقة والكمال، كما يراد منه مساعدة الخطيب وإرشاده إلى ما يكمل به خطبته، ويرفعها ويجعل السامعين أكثر استفادة منها.
إذًا فهذا التقسيم ما هو إلا تنظيم لأجزاء الخطبة، وإحكام تركيبها وربط بعضها ببعض، ووضع أدلتها في شكل منتِج، حتى يأخذ بعضها بحَجُز بعض، ويجعل الغرض منها واضحًا، إذ لا يذكر المعنى إلا بعد التمهيد له، فيكون قريبًا مألوفًا وواضحًا مكشوفًا، وإذا أخذ به تمام الأخذ -مع التجنب لعيوبه والتحري