وسائل التأثير وطرق الإقناع، التي يصوبها نحو هدفه ويرمي بها إلى غرضه، وبعد الكتابة يقرأ ما كتب مرارًا وينقحه في كل مرة، وبهذه القراءة التي يتحرى بها جودة الإلقاء وحسن النطق تعلق معاني الخطبة، مرتبة ترتيبًا تامًّا بذاكرته، ويحفظ كثيرًا من ألفاظها وعباراتها. وهذه الطريقة يتبعها كثير من المحامين، في القضايا ذات الشأن التي تحتاج إلى تحضير كبير، وجمع لعدة نصوص قانونية.
ومن الخطباء من يكتبون خطبهم ويحسنون تحبيرها، ثم يحفظونها حفظًا تامًّا، ومنهم من يتحلل أحيانًا مما حفظ إن وجد المقام يدفعه إلى غيره. ومن الناس من يكتب ويحفظ بدون أن يغير شيئًا كما كان يفعل. ومن الناس من يكتب الخطبة ثم يلقيها بالقراءة في الورقة التي كتبها فيها، وهذه الطريقة في الحقيقة لها آفات وعيوب كثيرة، فلن تستحل الأفكار دمًا يجري في عروق الخطيب إلا إذا مارس الحياة، وذاق حلوها ومرها وعاش التجربة التي يحكيها، عندئذٍ يمكنه أن ينقل الأفكار إلى الآخرين بكل ما حولها من انفعالات وإيجابية، تحمله على تنفيذها في دنيا الواقع.
أما خطيب الورقة فهو محروم من هذا كله، بعيد عن هذه الساحة الحافلة بالحركة والنشاط. إن اللفظ والصوت والإشارة بل والهيئة كل أولئك عوامل تأثير لا بد منها؛ كي تحول المستمعين من وضع إلى وضع، وتنقلهم من التلقي الرتيب لينهضوا مسارعين إلى ما دعاهم إليه الخطيب. وخطيب الورقة بنبرته الرتيبة ووصفه الآلي لا يصل إلى ما ينبغي أن يكون. إن صوته يمضي بالمستمع على نبرة واحدة، تفرض عليه النوم أحيانًا. إنه مشغول بالنظر إلى ما خطه قلمه في الورقة خشية الزلل، وإذًا فلا تلتقي عينه بالمستمع الذي يحس بأن شخصًا آخر