وطرق التحضير كثيرة متشعبة؛ فمن الخطباء من يكتفي في تحضيره بدراسة الموضوع دراسة تامة، ثم يجمع عناصرها في خاطره ويرتبها بينه وبين نفسه، ويستحضر الألفاظ اللائقة بالمقام والعبارات الجديرة بالموضوع. وهذه طريقة لا يتبعها إلا المتمرن على المواقف الخطابية الذي اندرج في سلك الخطباء. وكثير من الأدباء يعد الخطبة التي تحضر وتلقى على هذه الشاكلة مرتجلة، ولكنا نرى الارتجال أن تقال الخطبة على البداهة، من غير أي تحضير للموقف السابق.
ومن الخطباء من يدرس الموضوع ويهيئ معاني الخطبة ويرتبها ترتيبًا محكمًا، ثم يكتب عناصرها وأجزاءها في مذكرة يستصحبها عند الخطبة؛ لتكون مرجعًا له وضابطًا وليحفظ المعاني والأفكار، من أن تضيع بضلال الذاكرة، وذلك النوع من الخطباء كثير. وفي الأخذ بهذه الطريقة مزايا كثيرة لما فيها من ضبط للأفكار، وجمع للخواطر وإحكام للمعاني، وهي كسابقتها لا يتجه إليها إلا الخطباء الذين تمرنوا على القول، وعرفوا مقاتله ومواضيع التأثير فيه، وأصبحت لهم طرق خاصة في الإلقاء يتجهون إليها من غير قصد، بل بمقتضى الإلف والاعتياد.
ومن الخطباء من يطلع على الموضوع ويدرسه بعناية، ثم يتكلم فيه بينه وبين نفسه بصوت مرتفع في غرفة قد انفرد فيها، أو في مكان خلوي أو يتكلم على بعض الناس، ومثل ذلك النوع من الخطباء مثل المطربين، إذ يلحنون القطع التي هم بصدد ترتيلها والتغريد بها في وسط الناس، ويتمرنون على ذلك أمدا غير قصير، حتى تستقيم لهم النغمات فكذلك هذا النوع من الخطباء.
ومن الخطباء من يكتب الخطبة، ويتحرى في الكتابة أبلغ الأساليب التي توصله إلى غايته، وتؤدي به إلى ما يريد ويحكم معانيها، ويحملها كل ما ينبغي من