مندوحة من إعدادها، وأي خطيب سياسي لا يعد خطبته إيجادًا وتنسيقًا فالإخفاق نصيبه. على أن بعض الخطب السياسية يعوزها الإعداد إيجادًا وتنسيقًا وتعبيرًا؛ لحاجتها إلى دقة التعبير ووزن الألفاظ، كخطب المعاهدات وبعض خطب المؤتمرات الدولية، فهذه تعد إعدادًا كاملًا. والناحية التطبيقية على القانون في الخطبة القضائية لا بد من إعدادها إعدادًا كاملًا أيضًا، تتجلى فيه الثقافة القانونية والثقافة العامة. ومن الخير للخطيب أن يجمع بين الارتجال والتحضير، فيعد موضوعًا ثم لا يتقيد بما أعد، بل يتصرف كما تملي عليه الظروف، وحينئذ تمده ذاكرته بما قد أعده وتسعفه بديهته بالجديد الذي لم يعده.
فمتى يحسن التحضير؟ ومتى يحسن الارتجال؟
يقول الإمام محمد أبو زهرة -رحمه الله-: "إن الخطيب يلقي خطبته إما بعد تحضير وإعداد وإما على البديهة والارتجال، ولكل مواضع ومحاسن؛ فالتحضير يحسن -بل يكون لازمًا- إذا كانت معلوماته في الموضوع الذي هو بصدد القول فيه لا تسمح له بالقول على البداهة، وإن تكلم قال كلامًا مبتسرًا لا يقيم حقًّا ولا يخفض باطلًا ولا يجذب نفسًا ولا ينفر من أمر، فهو يدرس الموضوع من كل نواحيه ويقتله بحثًا ودرسًا؛ ليستطيع أن يدلي فيه بحجته فيصيب المحز ويدرك الشأن وينال السبق، وكذلك يعمد إلى التحضير إذا كانت عنده فسحة من الوقت، يستطيع فيها أن يبدي ويعيد وأن يتثبت فيما يقول، ويختار لمعانيه أجود الألفاظ ويتجه إلى أقرب الطرق التي يصل منها إلى النفوس، ويهز بها أوتار القلوب هزًّا رفيقًا أو عنيفًا كما يريد. ويعمد إلى التحضير أيضًا إذا