وكل فكرة وكل بيت شعر وكل كلمة حكمة، تكون لبنة في بناء الموضوع ودعمًا قويًّا للفكرة المراد توصيلها وإقناع الناس بها، ولا يقدم ما ينبغي تأخيره ولا يؤخر ما ينبغي تقديمه، ويبدأ خطبته هادئًا في ثقة بسيطًا في عمق، والإلقاء يكون جيدًا خلابًا يأخذ بتلابيب القلوب ويشنف الآذان، ويستميل المستمعين إلى الخطيب وإلى ما يدعو إليه.
إن التخطيط والتحضير الجيد للخطبة من الأهمية بمكان، كما يفهم من تصريح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوم السقيفة حيث قال: "لقد زورت كلمات أعجبتني -أي: حضرتها في نفسي وأعددتها- فقال لي أبو بكر: على رِسْلِك يا عمر، فوالله لقد جاء عليها كلها". يقول عمر: لقد جاء أبو بكر على تلك الكلمات التي زورها في نفسه. فهذا عمر الملهم، وعمير سفير في الجاهلية وملهم ومُحَدَّث في الإسلام، يزور كلمات يواجه بها الموقف، فمن لم يبال بهذا العمل فإنه لا يسلم من الفشل. وقد قال الجاحظ: "إنما يجترئ على الخطبة الغر الجاهل الماضي الذي لا يثنيه شيء، أو المطبوع الحاذق الواثق بغزارته واقتداره".
ثم إن الإعداد والتحضير يؤدي إلى تحسين وتجويد التصوير والتفكير، ولأن تجويد التصوير يستدعي تجويد التفكير في نظر "فلوبير" الكاتب الفرنسي المتفنن، فقد كان لا يكرر صوتًا في كلمة ولا يعيد كلمة في صفحة، وكان يتلو ما كتب بصوت إيقاعي ليؤلف بين الحروف والكلمات، ويوفق بين السكنات والحركات.
وإذا كان الارتجال ضروريًّا في بعض الخطب الاضطرارية، فإن الإعداد ضروري في بعضها الآخر، على تفاوت في طريقته والحاجة إليه، فالخطب السياسية لا