وهذا الذي أصابكم إنما أصابكم من ذنوبكم وأفعالكم، لا يقل هذا؛ فيُخرج نَفْسَه من جمهوره الذي يذكر عيوبه ويذكره بها، ويدعوهم إلى التوبة منها.

بل يدخل نفسه مع المخاطبين والحاضرين فيقول: نحن المسلمين قصرنا، ولو أننا فعلنا، لو أننا تبنا، أو يخاطبهم بأداة الشرط، من فعل كذا، كان له كذا وكذا، أو مَنْ فعل كذا فكان عليه كذا وكذا، أو يُخاطِبَهُم بصيغة مطلقة، لو تَاب المُسلم أو لو تاب المسلمون، لو أنّ المسلمين فعلوا وفعلوا؛ لأنّ في صيغة المُخاطب أنتم نوعًا من الاتهام للمدعوين، وتزكيةً لنفس المخاطب، مما يدفع بعض المدعوين لعدم الإنصات، بل وربما تكلم مع الداعية مما كان في غنى عن سماعه.

وأما في الصيغة الثانية صيغة المُتكلم، وفي الصيغة المُطلقة؛ فإنّ المُخاطبين يستشعرون بتواضع الداعية، وأنّه منهم ومعهم يصيبهم ما يصيبه، ويناله ما ينالهم؛ مِمّا يدفعهم للتفاعل معه، كذلك لا يحتج ببعض الآيات التي خاطبت الناس بميم الجمع؛ لأنّ المُخاطب هو الله -سبحانه وتعالى- وفَرْق كبير بين خطاب الرب العظيم وخطاب عبد غير معصوم، ولا يمكن أن يجتمع الله سبحانه مع خلقه في كائن أو ضمير في سياق التكليف أو التأديب.

ومع ذلك نجد الخطاب المُطلق والمُشروط بالأفعال والأقوال في كتاب الله -عز وجل- كثيرًا دون تعيين يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} (الأعراف: 96)، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى}، لم يسمّ القرية {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِه} (النساء: 66) لم يُسمهم.

كذلك من المستحسن الداعية أن يعمم في خطابه، وأن يُطلق في عباراته، دون أن يخصص أقوام أو يعين أفرادًا، ولو كانوا قائمين على الخطأ، أو مستمرين في العصيان؛ ويُمكنه عند الحاجة أن يُعَلّق الأحكام بالأفعال، وأن يُنِيطَها بالأقوال،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015