وهذا أسلوبٌ دَأبَ عليه القرآن الكريم، قال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (هود: 18)، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة: 73)، وقال سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (التوبة: 75 - 7 7).
وبالمناسبة ينبغي -معشر الطلاب- أن تعلموا أن كثيرًا من كتب التفسير أوردت في تفسيرها هذه الآيات من سورة التوبة قصة مشهورة، تتردد على ألسنة الوعاظ والقصاص والمدرسين والخطباء، وهي معروفة بقصة حمامة المسجد، ونُسبت زورًا وبهتانًا وعدوانًا إلى صحابي جليل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثَعْلَبة بن أبي حاطب. ثعلبة بن أبي حاطب -رضي الله عنه- من الصحابة الكرام، شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدرًا، واستُشهد في أحد فنسبت هذه القصة إليه التي جعلوها سببًا نزول الآيات، يُعَدّ ظلمًا له -رضي الله عنه- وعدوانًا عليه.
ثم إنّ القصة أصلًا باطلة سندًا ومتنًا، لا يَصِحُّ سنَدُها، ومَتنها مُخالف بصريح القرآن الكريم. الله -تبارك وتعالى- فتح باب التوبة أمام كل من أراد أن يتوب وإن كان كافرًا، والقصة تقول: أن هذا الرجل الذي نُسبت إليه القصة لما نزلت الآيات خَافَ وجاء بصدقة لرسول الله فلم يقبلها وجاء إلى أبي بكر فلم يقبلها ... إلى آخره. ثم إنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في الزكاة: ((من أعطاها متجرًا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات رَبّنا)) فكيف ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-