على تصوير المعاني، وجودة نقل الخواطر، فإن الألفاظ والأصوات تتعاون في الدلالة على المعاني النفسية، فألفاظ التألم والحزن والغم مثلًا إذا سمعتَها مجردةً ما أثارت في نفسك شيئًا، فإذا سمعتها من متألم واشترك صوت متأثر بالآلام مع اللفظ، أثارت في نفسك خواطر الأسى، ومواضع الحزن، وأحسست بالألم العميق تشترك فيه مع مَن حكى لك آلام نفسه في نغمات صوته.

لذلك يجب على الخطيب أن يروض نفسه على تصوير المعاني، وأن يجعل من نغمات صوته وارتفاعه وانخفاضه دلالات أخرى فوق دلالة الألفاظ، وليعمل على أن يكون صوته ناقلًا صادقَ النقل لمشاعر نفسه، وليمرنه التمرين الكافي على أن يكون حاكيًا صادقَ الحكاية لمعاني الوجدان، وخواطر الجنان، وليعلم أنه لا شيء كالصوت يعطي الألفاظ قوة حياة، وأنه إذا أحسن استخدامه خلق به جوًّا عاطفيًّا، يظل السامعين وبه يستولي عليهم.

وإذا كان لنا أن نوصي مريد الخطابة بشي فإنا نوصيه بهذين الأمرين:

أولهما: أن يجعل صوته مناسبًا لسعة المكان ولعدد السامعين، فلا ينخفض حتى يصير في آذانهم همسًا، ولا يعلو حتى يكون صياحًا، بل يكون بين هذا وذاك، وبين المرتبتين متسع لفنون القول ودرجات الكلام وأنواعه وغاياته، وعند الابتداء يبتدئ منخفضًا، ثم يعلو شيئًا فشيئًا، فإن العلو بعد الانخفاض سهل، وَوَقْعُه على السامعين مقبول، أما الخفض بعد الارتفاع فلا يحسن وقعه. ولذا يجب على الخطيب أن يوازن بين طاقته وبين الزمن الذي تستغرقه خطبته والمجهود الصوتي الذي يجب بذله، وليجعل هاذين على قدر تلك، وإلا أصابه الإعياء قبل الوصول إلى الغاية، فكان كالمنبت لا أرضَا قطَعَ ولا ظهرَا أبقَى.

ثانيهما: أن لا يجعل صوته نمطيًّا يسير على وتيرة واحدة وبشكل واحد لا تغير فيه ولا تبديل، فإن ذلك يلقي في نفس السامع سآمةً وملالًا، ووراءهما النفور والانصراف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015