ثالثًا: تصوير النطق للمعاني تصويرًا صادقًا:
بأن يعطي الخطيب كل كلمة وكل عبارة حقها، ويظهرها بشكل تتميز به عن سواها، فالجملة المؤكِّدة -أو الجملة المؤكَّدة- ينطقها بشكل يدل على التوكيد في النغم كما دل، والجمل الاستفهامية ينطق بها بشكل يتبين منه الاستفهام، والمراد منه في طريق النطق كما دل عليه بالأداة الدالة على الاستفهام.
رابعًا: التمهل في الإلقاء:
وهو ألزم الأمور للخطيب، وليس بصحيح ما يزعمه بعض الناس من أن الخطيب اللبق هو من يتدفق بيانه تدفقًا، وتنحدر عباراته في سرعة ومن غير تمهل، فإن ذلك -فيما أرى- عيب يجب التخلي عنه والاحتراز منه، إذ النطق السريع المتعجل حيث تجب الأناة ينتج منه تشويه المخارج، وخَلْط الحروف بعضها ببعض؛ لأن عضلات الفم واللسان لا تأخذ الوقت الكافي للانتقال من لفظ إلى لفظ، والإسراع المفرط يجعل الخطيب يهمل الوقوف عند المقاطع الحسنة، والمقاطع لها الأثر الحسن كما علمتَ فيما مضى.
والخطيب السريع في نطقه لا يعطي السامع الفرصة الكافية لفهم ما يسمع، وتذوق ما فيه من صقل اللفظ وجودة المعنى وحسن الخيال، فإذا قرعت أذنه عبارة قبل أن يتذوق ما في الأولى من جمال، يَعْرُه التعب، ويسكن قلبه السأم، وينصرف عن الإصغاء. والتمهل فوق ذلك يجعل الصوت يسري إلى السامعين جميعًا بأيسر مجهود متناسب مع المكان والعدد، بينما الإسراع يجعل الكلمات تحتاج إلى مجهود صوتي أكبر؛ ليصل الكلام إلى الآذان.