فيجب أن يهتم الخطيب بأن يكون الحرف خارجًا من ينبوعه، صادرًا عن مخرجه الذي عُرِف عن العربي النطق به منه، وإن العناية بنطق الحروف نطقًا صحيحًا وإخراجها من مخارجها، ليس معناها أن يتشادق الإنسان ذلك التشادق الذي يقع فيه بعض المتكلمين أو الخطباء، فيكسو النطق تكلفًا يثير سخريةَ السامعينِ، أو يثقل القول عليهم، بل معناه أن ينطق بالحرف من مخرجه من غير تكلف ولا تشادق ولا توعر، بل في يسر ورفق وسهولة؛ لأن ذلك التشادق يوقع أولئك المتكلمين في نقيض ما يرغبون، فينطقون بالحروف من غير مخارجها الصحيحة، كبعض الخطباء الذين يدفعهم غلوهم إلى النطق بالجيم بما يقرب من الشين؛ فرارًا من نطق العامة، فيدفعهم فرارهم هذا من نطق العامة إلى عيب آخر، لا يقل عن الأول خروجًا عن جادة الفصحى.

وقد قال بعد الأدباء: إن التشادق من غير أهل البادية عيب؛ لأن أهل البادية في الزمن الأول كان نطقهم هو الصورة الصحيحة للنطق العربي القويم.

ثانيًا: مجانبة اللحن وتحري عدم الوقوع فيه:

يجب على الخطيب أن يهتم بتصحيح الكلام الذي ينطق به، وأن يلاحظ ذلك في مفرداته وعباراته، أن يلاحظ بنية الكلمات ملاحظةً تامةً، فلا ينطق مثلًا بكلمة "سَوَقَ" بفتحتين كبعض الخطباء، فيذهب ذلك بروعة القول وبهائه، ولا ينطق بغير ما توجبه قواعد النحو في آخر الكلمات، فإن ذلك يفسد المعنى وقد يقلبه. فعلى الداعية أن يهتم بقواعد النحو اهتمامًا، وأن يراعي أن في جمهوره مَن قد يكون أعلمَ بقواعد اللغة منه، فعليه أن ينتبه إليهم وهم يستمعون إليه وينظرون إليه، وعليه أن يتفحص نظراتهم؛ ليرى ما وراء هذه النظرة، فينتبه إلى أنه قد لحن، أو وقع في خطأ لغوي أثناء خطابه الدعوي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015