إن الخطيب البارع هو الذي يحدد خطبته ويحضر موضوعها تحضيرًا دقيقًا؛ حتى تكون خطبته مركزة ومنظمة معالجة للمشاكل المعاصرة، وحتى يربط بين الدين والحياة. ويبدأ بتحديد موضوع الخطبة ثم يرتب عناصرها وأفكارها، ثم يشرحها مدعمة بالأدلة النقلية والعقلية، ويستخلص النتائج والدروس التي تناسب الأحداث التي يعيشها الجمهور، وبذلك يشد انتباههم ويقنع عقولهم ويستميل وجدانهم، أما إذا لم يحدد الخطيب موضوعًا بدا وكل الدلائل تشير إلى أنه شارد الذهن، مشتت الفكر يشرق ويغرب، ويأتي بأفكار من هنا ومن هناك، بل ربما يبدو فيها التضارب والتناقض مما يؤدي بالجمهور إلى الملل والانصراف عنه، وكل ذلك نتيجة اعتماد الخطيب على الكلام المرتجل، الذي قد يخطر على بال صاحبه دون سابق تحضير، ولا يستطيع الإنسان أن يشعر بالارتياح حين يواجه مستمعيه إلا بعد أن يفكر مليًّا، ويخطط ويعرف ما الذي سيقوله في خطبته. إنه إن لم يفعل ذلك سيكون كالأعمى الذي يقود أعمى في مثل تلك الظروف، فالواجب على الخطيب أن يكون واعيًا لنفسه وأن يشعر بالندم والخجل لإهماله.
كتب "تيدي روزفيلد" في مذكراته يقول: "انتخبت إلى المجلس التشريعي في خريف سنة 1881، وقد وجدت نفسي أصغر رجل في المجلس، ومثل سائر الشبان والأعضاء غير المتمرسين وجدت صعوبة بالغة في تعلم الخطابة، وقد استفدت كثيرًا من نصيحة رجل ريفي عجوز يقول فيها: لا تتكلم حتى تتأكد أن لديك ما تقول، واعرف عما ستتحدث ثم قله واجلس".