فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوك بها فخذ منهم، وتوقَّ كرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).

من هذا الحديث يتبين لنا: أن على الداعية أن يبدأ بالأهم ثم المهم، أن يبدأ في الدعوة بالعقيدة قبل العبادة، وبالعبادة قبل مناهج الحياة، وبالكليات قبل الجزئيات، وبالتكوين الفردي قبل الخوض في الأمور العامة.

ومما يؤكد هذه الأهمية دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ما هو أهم عما هو مهم في الفترة المكية، ففي هذه الفترة بالذات كان -صلى الله عليه وسلم- يركز في الدعوة إلى الله على الإيمان بالله ووحدانيته، والتعرف على الله عن طريق الظواهر والآثار، ويركز أيضًا في الرد على مزاعم الدهريين، وإقامة الحجة عليهم، ومنكري البعث، ودحض مفترياتهم، ويركز كذلك على إثبات الرسالة، وإظهار خصائصها، وفضح الجاهلية، وتجسيد عوارها ومفاسدها.

ولو لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- عالمًا بمعتقدات القوم، بصيرًا بأحوال الجاهلية، خبيرًا بعادات البيئة، لَمَا بدأ معهم بإصلاح العقيدة التي هي في نظره الأهم، ولَمَا ركز في دعوته على هذه القضايا التي تصل بالإيمان بالله ووحدانية الخالق، وترتبط بالاعتقاد بالمغيبات، حتى إذا دخل القوم حظيرة الإسلام وخالط الإيمان بشاشة قلوبهم، جاءت مرحلة المهم، ألا وهي التزام القوم الإسلام على أنه أصول معاملة، ومبادئ حكم، ومناهج حياة.

فهذا ما ركز عليه -صلى الله عليه وسلم- في الفترة المدنية حين أقام معالم المجتمع الفاضل في المدينة المنورة بعد أن صلحت عقيدة الأمة، وترسَّخ في أبنائها الإيمان بالمغيبات.

ويخطئ الداعية حين يكون في مجتمع يدين أهله بالشيوعية، ويذهب يحدثهم عن العبادة أو مناهج الحياة، أو أخلاق الإسلام، يحدثهم بهذا وقد ترك التحدث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015