خامسًا: المخاطبة على قدر الفهم:
فمن أدب الداعية في حديثه أن يحدث جليسه بما يتناسب مع عقليته وثقافته، وبما يتفق مع عمره وفهمه، فقد أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم، وكم يعيب الداعية أن يحدث قومًا عن الذَّرة وأسرارها، والكواكب وأبراجها، والأرض ودورانها، والعلوم ومعارفها، والقوم الذين يجالسهم لا يقرءون ولا يكتبون، وفي غَمرات الجهالة سادرون. وكم يكون الداعية فاشلًا حين يكون في بيئة لا تؤمن بدوران الأرض ولا بحركتها، بل تعتبر مَن يقول هذا كافرًا خارجًا عن ملة الإسلام. كم يكون فاشلًا حين يسفه رأي أهلها، ويرميهم بالجهل المطبق، والضلال المبين.
من أجل هذا أمر نبي الإسلام -صلوات الله وسلامه عليه- الدعاة والعلماء والمرشدين في كل زمان ومكان، أن يحدثوا الناس بما تحمله عقولهم؛ حتى لا يقعوا في الفتنة.
في مقدمة (صحيح ومسلم): عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة".
وكم يكون الداعية غير موفق حين يجلس مع القوم من الملاحدة الماديين ويحدثهم عن الروح، وسؤال الملكين، والبعث والحساب، والجنة والنار، وهم لا يؤمنون أصلًا إلا بما تراه حواسهم، ولا يعتقدون إلا ما كان خاضعًا للتجربة والحس، وداخلًا في نطاق المشاهدة والواقع. فمن الطبيعي أن يهزءوا به ويستهتروا به ويتولوا عنه.
وكم يكون الداعية غير مسدد حين يجلس مع طبقة من المثقفين الذين لم يخالط الإيمان بَشاشة قلوبهم، وذهب يحدثهم عن كرامات الأولياء، وعن وظائف الملائكة، وعن أخبار الجن، وهم ليسوا من الوعي الناضج، والإيمان المكين،