أوقعَ في نفوس السامعين، وأشوقَ إلى قلوبهم، وأحب إلى أسماعهم.

ولو تأملنا مواقف النبي -صلى الله عليه وسلم- ومواقف أصحابه مع الجمهور الذين يستمعون إليهم ويستفيدون منهم، لرأيناها مقتصدة معتدلة ليتأسى الدعاة بهم، وليأخذوا عنهم. روى مسلم عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: ((كنت أصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا)) أي: وسطًا.

وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: ((شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة فكان متوكئًا على عصا، فحمِد الله وأثنى عليه، فكانت كلمات خفيفات، طيبات مباركات)).

وفي الصحيحين: كان ابن مسعود يذكرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكَّرتنا كل يوم، فقال: ((أَمَا أنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم -أي: أتعهدكم- بموعظة كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا مخافةَ السآمة علينا)).

ولا شك أن الداعية إذا ابتعد عن الثرثرة اللسانية، وتجنب الحشو في الكلام، ولم يلجأ في شواهده وأفكاره إلي التكرار، وتكلم في لُب الموضوع دون مقدمات طويلة مملة، وجاء حديثه مقتصدًا معتدلًا مقبولًا لدى مستمعيه، بل أعطى المثل الأعلى في وسطية أحاديثه، واقتصاد مواعظه، اللهم إلا في بعض الحالات الخاصة وجد من المصلحة أن يطنب في الحديث، ويكرر في الكلام، ويؤكد بالشواهد. كأن يكون مثلًا في بيئة عامية جاهلة، يشرف على توجيهها ويقوم على تعليمها، فلا بأس من الإطناب والتكرار على أن لا يطيل كثيرًا حتى لا ينفر الناس منه ويعرضوا عنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015