وقد ساق الإمام ابن كثير -رحمه الله- عند تفسيره لهاتين الآيتين بعض الآثار؛ منها: ما جاء عن أنس -رضي الله عنه- قال: ((كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسًا وأمامه حفرة، فقال: لو جاء العسر فدخل هذه الحفرة، لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه)) وعن الحسن البصري -رحمه الله- قال: " لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين". ومعنى هذا: أن العسر معرف في الحالين فهو مفرد، وأن اليسر منكر فهو متعدد.

والذي يتدبر القرآن الكريم يرى أن مئات الآيات قد نزلت في أعقاب أحداث معينة؛ لتبين حكم الله فيها، ولتحق منها ما هو حق، ولتثبت المؤمنين، ولتدفع الشبهات والتهم الكاذبة التي ألصقها الجاحدون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبأتباعه، ولترشيد المؤمنين إلى أخطائهم حتى لا يعودا إليها، ولتحكم في قضايا معينة التبس فيها الحق بالباطل، ولتساير الحوادث والطوارئ في تجددها وفي تفرقها، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى.

ومنها: أن المشركين عندما وصفوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنون وبغير ذلك من التهم الباطلة، نزَلَ القرآن الكريم؛ ليدحض هذه التهم، وليصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأسمى الصفات وأفضلها، قال الله تعالى:} ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {(القلم: 4).

ونزل القرآن الكريم ليؤكد أن البعث حق، وأن الحساب حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، قال الله تعالى:} أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {(يس: 77 - 83).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015