ثم اتخذ الخلفاء الراشدون وأولو أمر المسلمين من بعدهم -في كل زمان ومكان- الخطابة وسيلة لنشر الإسلام، وتثبيت دولته، إما بأنفسهم مباشرة وإما بتكليفهم من يقوم بها على وجهها، وذلك لاعتقادهم أن الخطابة في الإسلام هي مظهر الحياة المتحركة فيه، الحياة التي تجعل هذا الدين يزحف من قلب إلى قلب ويثب من فكر إلى فكر، وينتقل مع الزمان من جيل إلى جيل ومع المكان من قطر إلى قطر.

وذاك هو السر في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب كل أسبوع وكل عيد، ويخطب أو ينيب عنه أميرًا يخطب في وفود الحجيج عند جبل الرحمة، ولأهمية الخطابة ومكانتها في الدعوة الإسلامية جعلها الإسلام الحنيف شعيرة من أهم شعائره، في كافة المناسبات الدينية والدنيوية؛ دعمًا للحق وهدمًا للباطل. ومن أهم هذه المناسبات: مناسبات أسبوعية وأخرى سنوية وثالثة طارئة، ففي كل أسبوع يحتشد المسلمون في المسجد الجامع؛ ليسمعوا داعية إلى الله تعالى يذكر به ويعلم دينه، وفي كل عيد يجتمع الرجال والنساء في الميادين الرحبة، أو في المصليات المحيطة بالقرية ليسمعوا التوجيه المناسب بعد صلاة العيد، وفي كل موسم جامع للحجيج تلتقي وفود الأمة الإسلامية المترامية الأطراف حول عرفة، لتستمع إلى خطاب خطير يتناول شئونها ويشرح قضاياها ومبادئها، وفي الأمور الطارئة كالخسوف والكسوف والجدب يجتمع المسلمون للصلاة والابتهال إلى الله تعالى، ولسماع خطيب يذكرهم بنعم الله تعالى على الناس خاصة، وسننه في خلقه عامة، ويخوفهم بما أراهم الله تبارك وتعالى من الآيات لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرًا.

إن فضل الخطابة عظيم وشرفها جسيم، وفضل العلوم والصناعات وشرفها إنما هو بشرف غاياتها وأهدافها، وللخطابة غاية ذات شأن خطير وهي إرشاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015