ويتضح هذا في موقفه -صلى الله عليه وسلم- من وفد بني تميم، حين دخل الوفد إلى المسجد النبوي الشريف ونادوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وراء حجراته: "يا محمد اخرج إلينا، يا محمد اخرج إلينا، فآذى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج إليهم؛ فقالوا: يا محمد جئناك نفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((قد أذنت لخطيبكم فليقل)) فقام أحدهم فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن وهو أهله، الذي جعلنا ملوكًا ووهب لنا أموالًا عظامًا نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عددًا وأيسره عدة، فمن مثلنا في الناس؟! ألسنا برءوس الناس وأولي فضلهم، فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وأن لو نشاء لأكثرنا الكلام ولكننا نحيا من الإكثار فيما أعطانا وإنا نُعرف بذلك، أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا وأمر أفضل من أمرنا، ثم جلس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لثابت بن قيس: ((قم فأجب الرجل في خطبته)).
فقام ثابت -رضي الله عنه- فقال: الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه السموات والأرض، ولم يك شيء قط إلا من فضله، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكًا، واصطفى من خير خلقه رسولًا، أكرمه نسبًا وأصدقه حديثًا وأفضله حسبًا، فأنزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين. ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس حسبًا وأحسن الناس وجوهًا، وخير الناس فعالًا، ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحن، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله -صلى الله عليه وسلم- نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبدًا، وكان قتله علينا يسيرًا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم ورحمة الله".