والقرآن الكريم هو الكتاب الذي حدد للناس ما يجب عليهم نحو خالقهم -سبحانه وتعالى- وما يجب نحو أنفسهم، وما يجب عليهم نحو غيرهم، وهو الذي نظم علاقات الأفراد والجماعات والأمم تنظيمًا حكيمًا، وبيّن للجميع ما هو حلال وما هو حرام، وما هو خير وما هو شر، وما هو حق وما هو باطل.
ومن الآيات القرآنية التي جمعت كل هذه الحقائق وكل هذه التوجيهات قول ربنا -سبحانه وتعالى-:} قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {(الأنعام: 151 - 153).
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يراها قد رسمت للإنسان علاقة بربه ينال بها السعادة والثواب، ورسمت له علاقته بأسرته التي تقوم على المودة والرحمة، ورسمت له علاقته بغير أسرته التي تقوم على التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، وسدت في وجهه أبواب الشر التي تؤدي إلى انتهاك حرمات الأنفس والأموال والأعراض. هذه الآيات عندما سمعها بعض زعماء العرب من النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا له: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق وإلى محاسن الأعمال، وقد أفِك قوم كذبوك وظاهروا عليك، ووالله ما هذا الذي سمعناه منك من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه.