ونحن ندرس هذه الضوابط لغموضها وخفائها عن بعض الدعاة، حتى خرج بعضهم أو أكثرهم عن هذه الضوابط، فلم تؤتِ دعوتهم ثمارها. لذا كانت دراستنا للضوابط الشرعية للخطاب الدعوي ضرورية لدفع هذا الغموض وما يترتب عليه من إفراط وتفريط.
إن الخطاب الديني هو أشرف خطاب يتبادله الناس فيما بينهم؛ لأنه خطاب الأنبياء والرسل الكرام مع أقوامهم في مختلف الأزمنة والأمكنة، ولأنه خطاب المصلحين مع غيرهم؛ ولأنه خطاب العقلاء الأخيار فيما بينهم.
إن الخطاب الدعوي هو الخطاب الذي مَدَح الله تعالى مَن يتعاملون به، فقال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ {(الحج: 24) أي: وهدى الله تعالى عباده الصادقين في إيمانهم إلى القول الطيب وإلى المنطق القويم، كما هداهم سبحانه كذلك إلى الطريق المحمود الذي يؤدي بهم إلى السعادة في دنياهم وآخرتهم؛ لأنهم عمروا دنياهم بالإيمان الخالص، وبالعمل الصالح، وبالسلوك الحميد.
والخطاب الدعوي له مقوماته السامية وضوابطه العظيمة وآثاره العميقة في النفوس، ومكانته الراسخة في القلوب، ومنزلته التي تهز المشاعر وتحرك العواطف نحو الخير. إن هذا الخطاب الديني إنما تتحقق له هذه المقومات وهذه الآثار متى كان مستمدًّا من القرآن الكريم ومستشهدًا بهداياته وبتشريعاته وبأحكامه وبآدابه؛ وذلك لأن القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- لإخراج الناس من الظلمات إلى النور كما قال سبحانه:} الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {(إبراهيم: 1).