والقرآن والسنة حافلان بما يشبع رغبتك في هذا الباب، ولا بد من الحملة طبعًا على أولئك الذين يذلون أنفسهم ويبذلون أخلاقهم وأعراضهم؛ زعمًا أن ذلك هو سبيلهم إلى ما يصبون إليه من جلب المنافع أو درء المفاسد. وما أحراك أن تفرد حملة خاصة على أولئك الذين يتعبدون بالمثل السائر: إن كان لك عند الكلب حاجة قل له: يا سيدي.
أما الاستكانة إلى الذل تخوفًا على النفس مما يصيبها من أذى القتل أو الضرب أو السجن أو نحوه، فالمسلم قد ربي على قول الله -عز وجل-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحديد: 22) وإذا أقدم المسلم في جرأة وشجاعة، فلامه اللائمون من الجبناء، وحذره المحذرون من الضعفاء؛ ألقى الله على لسانه ردًّا حاسمًا: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} (آل عمران: 145) وإذا اعتراه في موقف من مواقف البأس ذبذبة أو تردد ناداه هاتف العقيدة من أعماق نفسه: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (الأحزاب: 16).
وسيجتمع عليك الكثير من نصوص القرآن والسنة، وكل منها يعرض نفسه عليك، فَسُقْ ما تختار منها مرتبًا واضحًا على قدر ما تراه وافيًا بأداء غرضك.
ويجب أن يتحكم في الاختيار وفي ترتيب العناصر وفي جمع الشواهد وفي سوق الحديث، يجب أن تتحكم في ذلك كله العقلية العملية، ممثلةً في مظاهرها التي تقدمت في بيان مزاج الداعية، حتى لا تكون غامضًا ولا نظريًّا.
واحذَرْ في تقسيم موضوعك أو بيان حقيقة عنصرك أن تنحو نحو التقسيمات الفلسفية، أو التعمق النظري. ففي موضوع مقومات الإنسان الفاضل الذي ننشده لم نذكر لك كل شيء، وقد يأتي غيرنا بغير ذلك؛ لأنه لم يكن من همنا الاستقصاء الفلسفي، الذي يغوص وراء الفروض والعلل، وإنما أخذنا ثلاث لمحات أضاءت لنا من محيط الفطرة في بساطة ووضوح، ولو أننا أردنا الاستقصاء