تفترض في هذا الإنسان وجوب وجود عنصر علوي باطن يمده بأسباب العزة، وكرائم القيم والمبادئ، أما الذليل التافه فليس لنا به حاجة، ثم يجب أن يكون لهذا الإنسان رسالة في الحياة يعمل جاهدًا لتحقيقها، أما الرجل الذي يعيش بلا غاية معينة ولا مبدأ معروف فهو من السوائم الهمل.

وأخيرًا لا بد له بعد العزة والرسالة من العلم؛ ليكون من أمره على هدى وبصيرة، ومن لا علم له لا بصيرة له، فدعائم البناء إذًا عزة ورسالة وعلم، فإذا أوضحتَ ذلك أقنعت سامعيك بما تريد، أما الكلام المرسل بغير نظام فخيره غير متحقق.

ثالثًا: عليك أن تستحضر لكل عنصر ما يؤكده ويوضحه مِن كتاب الله -عز وجل- وسيرة رسوله -صلى الله عليه وسلم- قولًا وعملًا، أو سيرة صحابته، أو عَبْر التاريخ، أو حوادث مما تسمع وتقرأ وتشاهد على نحو ما ذكرناك به. فإذا كنت بصدد شرح العزة في الموضوع السابق -مثلًا- وجدت طبيعة العنصر تلهمك أن العزة معناها ألا يذل المرء لمخلوق مثله، وهو يذل في هذه الحياة لغرض من اثنين: ليدرك منفعة شخصية أو ليدفع ما قد يؤذيه في رزقه أو نفسه، وحينئذٍ يزدحم حولك نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى وأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- تؤكد لسامعك أن الإسلام يغرس العزة في نفس المسلم، ويذهب بأصولها إلى أبعد الأعما.

فهو من ناحية ابتغاء المنافع والخوف على الأرزاق قد علم أن رزقه في السماء، وما كان في السماء فهو مضمون مصون، بعيدٌ عن أن تتطاول إليه يد عابث من أهل الأرض، ويعلم كذلك أن الله قد فرغ من قسمة الأرزاق بين الناس قبل أن يخلقهم، وقد جفت الأقلام وطويت الصحف على ذلك، فليس للحوادث بعده أن تجري على خلافه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015