لما فرغنا من البحث إلا بعد عناء، بل ولا بعد العناء، فقط لا نخرج إلا بالخلافات التي يضرب بعضها بعضًا، والنظريات التي لم ينته أصحابها من التدليل على صحتها بعد.

كان همنا حين الاختيار أن نسوق كلامًا تقبله فطرة السامع وعقله، وكفى، أما أنه جامع مانع فَلَا، ومع أننا نقصد أن يكون كذلك فهو في الحقيقة جامع؛ لأن الخير في الإسلام وإن تعددت صوره يرجع إلى معين واحد، فإذا نشَّأت طفلًا -مثلًا- على فضيلة ما ألفيت ذلك يعود بالتربية والتنمية على الفضائل الأخرى، وذلك من أسرار الله في شريعته.

رابعًا: يجب على المحاضِر أن يعد في عناصر المحاضرة ما يفهم منه أن الناس يجنون في الدنيا -لا في الآخرة فحسب- ثمرَ ما يبذلون في سبيل الإصلاح من عمل صالح، وتضحيات لوجه الله وثبات على المبادئ الفاضلة، وصبر على مقاومة الفساد، يجب العناية بإبراز هذا المعنى، لا لأنه يشرح الصدور ويشحذ العزائم ويجدد الآمال والهمم فحسب، بل لأنه هو منطق الحياة، وقانون الوجود الذي لا يتخلف، فلكل شيء ثمن ولكل عمل أجر، ولكل جهد بدني ونفسي ثمر من جنسه في الدنيا والآخرة، وعاقبة كل أمر ليست إلا نيتك التي بدأته بها، وهو من قوانين الله التي لا تتخلف في حياة الأفراد ولا في حياة الجماعات والأمم، والكسل لا يهب إلا الحرمان، والفوضى لا تورث إلا الخيبة، والأنانية لا تعقب إلا التنازع والتفكك والفشل.

خامسًا: يجب أن يكون غرض الداعية من كل ذلك إحياء المشاعر الإلهية، وبث خواطر الخير والتقوى في القلوب، فكل موضوع يجب أن يعالج على هذا الأساس، وبعبارة أخرى: يجب أن يكون للداعية في موقف المحاضرة هدفان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015