متحقق في كل حين، فبِمُجَرّد أنْ يَجْلِسَ الدّاعية في النادي أو المسجد أو الجمعية يتحلق حوله مَن يريد العلم، ويرغب في التوجيه والتربية، وفي الوقت نفسه ينشئ بينه وبين مستمعيه صلاتٍ روحيةً، وروابطَ دعوية؛ وعلاقات أخوية، لقلة العدد وتَكرار الدرس وطواعية الحضور واستيعاب التعارف.
وبالتالي يستطيع أن يكيف درسه لما يتفق مع حاجة الموجودين، ويتلاءم مع عقليتهم وثقافتهم، ويُحقق الخير والمصلحة لهم.
وأُريد هنا أن أُنَبّه إلى أمر وهو أنّه لا يكفي الداعية أن يكون ذا يقظة تامة في تقرير درسه، وعرض أفكاره، وسرد شواهده، بل عليه أن يتنبه إلى يقظة سامعيه، هل هم مقبلون عليه؟ هل هم متفاعلون معه؟ فإذا عرَف أن اليقظة ضعيفة، والانتباه معدوم، والسأم مُخيم، فعليه أن يثير شعورهم بقصة، أو يذهب سأمهم بطرفة، أو يحرك اهتمامهم بمثل.
وإليك هذا النموذج من سيد الدعاة -صلى الله عليه وسلم-: حدّث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: ((كنتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة، فأخذ منها غصنًا يابسًا فهزه، حتى تحات ورقه -أي: سقط- فقال -صلى الله عليه وسلم-: يا سَلمان، ألا تسألني لِمَ أفعل هذا؟ قلت: لم تفعله يا رسول الله؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: إن المُسْلِمَ إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس، تحاتت خطاياه كما تحات هذا الورق)) ثم قرأ -صلى الله عليه وسلم- قول الله -عز وجل-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود: 114).
بعد هذا الفعل من رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- كانت نفس سلمان أكثر تنبهًا وتَقَبُّلًا، وأعظم حَيوية وانشراحًا بما مازجها من أنوار الآية، وحُسن توجيهها، ومن روعة التمثيل وجمال أدائه.