الطاعة، لا المُدَاهنة والنِّفاق: ((وإنّما الأعمال بالنيات))، والتلطف في القول لا يعني المداهنة والنفاق، ولا إخفاء الحق أو تحسين الباطل أو الرضا به، وإنما هو تشويق للمدعو لقبول الحق وإعانته على هذا القبول، وليس فيه إخفاء مرض المدعو، فإن الداعي كالطبيب، فكما أن الطبيب لا يخفي على المريض علته وضرورة العلاج له فكذلك الداعي.
قال الله تعالى حكايةً عن بعض رسله: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} (هود: 52) وقال تعالى عن صالح -عليه السلام-: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} (الشعراء: 150 - 152).
وعلى الداعية أن يكون مقتصدًا في حديثه، معتدلًا في خُطبه ومواعظه؛ ليكونَ كلامُه دائمًا أوقعَ في نفوس مستمعيه، وأشوقَ إلى قلوبهم وأسماعهم؛ فقد روى الإمام أحمد وأبو داود من حديث حكيم بن حِزام -رضي الله عنه- قال: ((شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة، فقام متوكئًا على عصا، فكانت كلمات خفيفات مباركات)). ويقول ابن مسعود -رضي الله عنه- كما جاء في الصحيحين: ((إني أتخولكم بالموعظة -أي: أتعهدكم- كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بها؛ مخافةَ السآمة علينا)).
نعم، قد يحتاج الداعية إلى التطوال، وأن يُكثر من الشواهد ويكرر في الأفكار، كأن يُلقي الدّاعِيةُ مُحاضرة ثقافية عامة، أو يكون في بيئة عامية جاهلة؛ فلا بأسَ في التطوال في المحاضرة لتعارف الناس على طولها، ولا بأسَ بالإطناب والتكرار، وكثرة الشواهد في البيئة الجاهلة؛ من أجل تثقيفها وتعليمها، على أن لا يطيل كثيرًا حتى لا ينفر الناس منه وينفضوا عنه.