وعلى الداعية أن يتلطف بالقول؛ فيَسْتَعملَ في كلامه وخطابه ما يُثِيرُ رغبة المدعو إلى السماع، ويُقمع فيه نوازع الجهل والنُّفور، وفي القرآن الكريم كثير من الآيات التي تشير إلى هذا التلطف المفيد، قال الله تعالى عن إبراهيم -عليه السلام-: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} (مريم: 41، 42) فذكر إبراهيم -عليه السلام- في خطابه لأبيه رابطة الأبوة التي من شأنها أن تجعل الابن حريصًا على مصلحة الأب، وتجعل الأب جديرًا بأن يُصغي إلى خطاب ابنه.

وقال الله تعالى عن هود -عليه السلام-: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (الأعراف: 65) فهود -عليه السلام- خاطبهم بكلمة: {يَا قَوْم} لأنّ هذا الخطاب أدعَى إلى استجابتهم وإلى تحسيسهم بأنّ من يُخاطبهم هو منهم في النسب، وأنّه يُريدُ الخَيرَ لهم.

وفي السُّنة النّبوية ما يَدُلّ أيضًا على ما قلناه، وقد ذكر ابن هشام في سيرته: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى إلى بطن من بطون كلب في منازلهم، يقال لهم: بنو عبد الله، فدعاهم إلى الله، وعَرَض عليهم نفسه؛ حتى أنه كان يقول لهم: ((يا بني عبد الله إن الله -عز وجل- قد أحسن اسم أبيكم)) أي: فأحسنوا الإجابة، واقبلوا الدعوة؛ وآمنوا بالله ورسوله.

وعلى هذا؛ يجوز للداعية أن يستثير في خطابه همم المدعوين بما يذكرهم به من طيب أصلهم، وكرم عائلتهم وشرف نسبهم، وأن ذلك لا يتفق وجريهم مع العصاة، وانغماسهم في الرذائل والشهوات، وأنّ اللائق بهم أن يكون مع الأخيار المطيعين لله؛ فهذا ونحوه سائغ -إن شاء الله تعالى- لا نرى فيه شيئًا، على أن لا يُسرف فيه الداعي، وأن يكون قصده منه التشويق والحمل على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015