باعتبارها أداة من أدوات التبليغ، وتُؤدي ما يؤدي إليه القول بالنسبة لمَن لا يمكن للداعي مشافهتهم.
ويَحْسُن قبل أن أخوض في تفصيلات هذه المواقف التعبيرية، أنْ نُبَيّن ما يَجِبُ عَلَى الدّاعِيةِ أنْ يَلتَزِمَ به في قوله سواء كان مدرسًا أو محدثًا، محاضرًا أو خطيبًا، مناقشًا أو واعظًا؛ باعتبارها أساسيات وضوابطَ يجبُ أنْ يتقيّد بها، ويَسير في جميع أقواله عليها.
فنقول: من الضوابط العامة التي يجب على الداعية أن يتلزم بها في قوله أن يكون القول واضحًا بينًا، لا غموضَ فيه ولا إبهام، مفهومًا عند السامع؛ لأنّ الغَرَض من الكلام إيصال المعاني المطلوبة إلى مَن يكلمه الداعي؛ فيَجِبُ أنْ يَكون الكلامُ واضحًا غايةَ الوضوح، ولهذا أرسل الله رسله بألسنة أقوامهم؛ حتى يفهموا ما يدعونهم إليه ويستطيعون بيانه إليهم. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4) وجعل الله تعالى وظيفة الرسل الكرام التبليغ المبين الواضح، لتقوم الحُجّةُ على المُخاطبين، قال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النور: 54) ومِقْيَاسُ الوُضوح ليسَ نَفْسَ الدّاعي وفهمه؛ فقد يكون الكلام واضحًا بالنِّسبة له غامضًا بالنسبة إليهم، وكذلك ليس مقياس وضوح القول بذاته؛ فقد يكون الكلام واضحًا بنفسه، ولكنه غير واضح بالنسبة إليهم.
فالمِقْيَاسُ إذًا هو أن يكون الكلام واضحًا عند المدعوين، وهذا هو الذي يشير إليه قوله رب العالمين سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} فالبيان للمدعوين لا للداعي، ولا للكلام بذاته، وفي الحديث عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "كان كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلاما فصلًا" أي: بينًا ظاهرًا "يفهمه كل مَن يسمعه".