بهم جميعًا، وانتقل إلى الكوفة يجمع الناس ويحاربهم، وانتصر على الثلاثة الأولين؛ ودَخَل مع معاوية في حروب صفين؛ ثم كانت خدعة التحكيم.
وخرج عليه فريق من جيشه فاضطر إلى حربه، وهو في كل ذلك يخطب واعظًا حينًا وداعيًا إلى جهاد خصومه حينًا آخر، وكان علي -رضي الله عنه- خطيبًا مفوهًا لا يُشَقُّ غباره.
ومن مواعظه -رضي الله عنه- قوله: "إنّ الدنيا قد أدبرت وآذنت بوَداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، وإن المضمار اليوم والسِّباق غدًا. ألا وِإنكم في أيام أمل، ومِن وراثة أجل، فمن أخْلَص في أيام أمله، قبل حُضور أجله، نفعه عملُه، ولم يَضره أملُه؛ ومن قَصر في أيام أمله، قبل حُضور أجله، خَسِر عملُه، وضَره أمله. ألا فاعملوا الله في الرغْبة، كما تَعملون له في الرَّهبة؛ ألا وإني لم أرَ كالجنَة نام طالبها، ولا كالنَار نام هاربها".
وطبعي أن تكثر خطب عليه في حروب خصومه؛ فقد ظَلّ نحو أربع سنوات يجاهدهم، ويَخْطُب في أصحابه حاثًّا على الجهاد، ومن قوله في خطبة له بآخرة من أيامه وقد تقاعس بعض جنوده، وأخذ جنود معاوية تغير على أطراف العراق فقد خطب -رضي الله عنه- فقال: "إنّ الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء ولزمه الصغار، وسيم الخسف ومنع النصف؛ ألَا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلًا ونهارًا وسرًّا وإعلانًا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غُزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا.
فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي واتخذتموه وراءكم ظهريًّا حتى شنت عليكم الغارات، فيا عجبًا من جد هؤلاء القوم في باطلهم، وفشلكم عن حقكم! حتى صرتم غرضًا يُرمى، وفيئًا ينتهبْ يُغار عليكم ولا تغيرون وتغزون ولا تغزون، قد ملئتم صدري غيظًا وجرّعتموني الموت أنفاسًا، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان".