تَجْتَهد مُسرعًا حتى تتبين؛ فإنّها الحرب، والحرب لا يُصلحها إلّا الرّجُل المكيث الذي يَعرف الفُرصة والكف".

وتوفي عُمر -رضي الله عنه- وخلفه عثمان -رضي الله عنه- وكان يهبط درجة عنه، وعن أبي بكر في الفصاحة والبيان، ويروى أنه -رضي الله عنه- ارتج عليه يومًا، وقد أراد الخطابة في الناس فقال: "إنّ أبا بكر وعمر كان يعدان لهذا المقام مقالًا، وأنتم إلى إمام عادل، أحوج منكم إلى إمام خطيب".

وليس معنى ذلك أن عثمان -رضي الله عنه- كان يرتج عليه دائمًا؛ فقط كان يخطب أحيانًا فيملأ النّفس بمواعظه، على شاكلة قوله حين بايعه أهل الشورى والناس: "إنّكم في دار قلعة، وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، فلقد أوتيتم صبحتم أو مسيتم ألا وإن الدنيا طويت على الغرور؛ فلا تَغُرّنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، اعتبروا بمن مضى، ثم جدوا ولا تغفلوا؛ فإنه لا يغفل عنكم أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين آثروها وعمروها، ومُتّعوا بها طويلًا ألم تلفظهم! ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة فإن الله قد ضرب لها مثلًا فقال -عز وجل-: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (الكهف: 45، 46).

وامْتُحن عثمان -رضي الله عنه- في آخر أيامه بالثّورة عليه؛ فلم تنحرف نفسه بل ظل صابرًا يتلو القرآن، ويدعو الناس إلى ألا يُحدثوا فتق هذه الفرقة، وهو في أثناء ذلك يعظهم ألا تبطرهم الدُّنيا، وأن يؤثروا ما بقي على ما يفنى؛ فيلزموا الجماعة، ولا يتخاذلوا فيصبحوا أحزابًا.

وولي علي -رضي الله عنه- الخلافة بعد عثمان، والفتنة تموج بالناس وطلحة والزبير وعائشة -رضي الله عنهم جميعًا- يؤلبون عليه أهل البصرة، ومعاوية يؤلب أهل الشام، فاصطدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015