شيئًا؛ خَلَقَكُم لعِبَادَته، وسَخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وحملكم في البر والبحر ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون. ثم جعل لكم سمعًا وبصرًا.

ومن نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم، ومنها نعم اختص بها أهل دينكم؛ ثم صارت تلك النعم خواصها وعوامها في دولتكم وزمانكم وطبقتكم، وليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة إلّا لو قُسِمَ ما وصل إليه منها بين الناس كلهم، أتعبهم شُكْرُها، وفَدَحهم حَقُّهَا إلا بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله.

فأنتم مُسْتَخلفون في الأرض، قاهرون لأهلها، قد نصر الله دينكم والله المحمود مع الفتوح العظام في كل بلد؛ فنَسْأَلُ اللهَ الذي لا إله إلا هو الذي أبلانا هذا أن يرزقنا العمل بطاعته، والمسارعة إلى مرضاته".

وسار عمر -رضي الله عنه- في خلافته سيرة أبي بكر -رضي الله عنه- في تشييع الجيوش بالخطابة محرضًا على الجهاد، حتى ينتشر الدين الحنيف في أقطار الأرض، وهو لا ينتشر إلّا بالقُوّة التي تُعِزّ الحَقّ وتعلي سلطانه، إنّها معركة الإسلام، معركة النفوس المؤمنة التي وعدها الله أن ترث الأرض ومن عليها.

وما زال عُمرُ -رضي الله عنه- يبرز هذه المعاني محاولًا أن يرتفع العرب في جهادهم عن ضعف المخلوق، ويصبحوا قوة من قوات الخالق يقول -رضي الله عنه- في بعض هذه الخطب: "أين الفقراء المهاجرون عن موعود الله، سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها؛ فإنّ اللهَ سُبحانه قال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (التوبة: 33)، والله مظهر دينه، ومعز ناصره، ومولى أهله مواريث الأمم، أين عباد الله الصالحون.

ولما اجتمع الجيش أمّر عليه أول من أجابه حينئذ إلى الجهاد؛ وهو أبو عُبيد ابن مسعود، وقال له: اسمع من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأشركهم في الأمر، ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015