فما هو إلا أن يقف بين الناس واعظًا، أو يقوم في الجنود ناصحًا؛ حتى يهدر بكلامه، وحتى تنصاع له القلوب انصياعًا.

ومن خطبه -رضي الله عنه- بعد أن ولي الخلافة، أنه قام في الناس خطيبًا فقال: "إن الله -عز وجل- قد ولاني أمركم، وقد علمت أنفع ما بحضرتكم لكم، وإني أسأل الله أن يعينني عليه، وأن يحرسني عنده، كما حرسني عند غيره، وأن يُلهمني العَدْلَ في قَسْمِكُم كالذي أمرني به، وإني امرؤ مسلم وعبد ضعيف إلا ما أعان الله -عز وجل- ولن يُغير الذي وليت خلافتكم من خلقي شيئًا إن شاء الله، إنما العظمة لله -عز وجل- وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إنّ عُمَرَ تَغَيّر منذ ولي، أعقل الحق من نفسي، وأتقدم وأُبَيّن لكم أمْرِي؛ فأيُّما رجل كانت له حاجة، أو ظُلم مظلمة، أو عتب علينا في خُلق فليؤذني، فإنما أنا رجل منكم.

فعليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم، وحرماتكم وأعراضكم، وأعطوا الحق من أنفسكم، ولا يحمل بعضكم بعضًا على أن تحاكموا إلي؛ فإنه ليس بيني وبين أحد من الناس هوادة، وأنا حبيبٌ إليّ صلاحُكُم، عزيز عليّ عنتكم، وأنْتُم أناسٌ عامّتكم حضر في بلاد الله، وأهل بلد لا زرع فيه ولا ضرع إلا ما جاء الله به إليه، وإن الله -عز وجل- قد وعدكم كرامة كثيرة، وأنا مسئولٌ عن أمانتي، وما أنا فيه، ومُطّلعٌ على ما بحضرتي بنفسي إن شاء الله، لا أكله إلى أحد، ولا أستطيع ما بعد منه إلا بالأمناء وأهل النصح منكم للعامة، ولست أجعل أمانتي إلى أحد سواهم إن شاء الله تعالى".

ومن مواعظه -رضي الله عنه- أنه قال ذات يوم: "إنّ الله -سبحانه وبحمده- قد استوجب عليكم الشكر، واتخذ عليكم الحجج فيما آتاكم من كرامة الآخرة والدنيا من غير مسألة منكم له، ولا رغبة منكم فيه إليه؛ فخَلَقكم -تبارك وتعالى- ولم تكونوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015