الثائرة، وهي التي ترفع الحق وتخفض الباطل، وتقيم العدل وتدفع المظالم، وهي التي تهدي الضال إلى سواء السبيل، وتقضي على النزاع وتقطع الخصومات.
وما من شك في أن الخطيب البارع النابه والعالم المتحدث الفذ هو الذي تبرز قوته ودقته، ومدى استفادته من دراسة علم الخطابة؛ بالتعبير عن ما في نفسه، وقيامه بين ذوي الاتجاهات المختلفة، والأفكار المتضاربة، والآراء المتناحرة، والحكم بينها، فلا يزال يبين لهم النافع من الضار والصواب من الخطأ، حتى يجعل الجميع في قبضة يده.
والخطيب البارع يقوم بين طائفتين قد استعرت بينهما نار العداوة والبغضاء، فيذكرهم بعواقب فساد ذات البين والتقاطع، وما يجره عليهما طول أمد الخصومة، ومن ثم فهو يسلك معهم سبيل التحذير والترهيب من مغبة هذا البغض وتلكم العداوة، وما يجر عليهما بسببه من نتائج سيئة، ثم يرغبهما في الصلح وما له من فضل وثواب عند الله تبارك وتعالى، ويراعي في ذلك كله الصبر والمثابرة.
إذًا فالمهمة صعبة، والطريق إلى تحقيق المراد شاق ومليء بالأشواك والفتن وذرائع الشيطان، فإذا ما تم ذلك لم تلبث القلوب إلا أن تصفو متألقة والنفوس متآخية صالحة. فماذا لو أدرك الداعية إذًا مسئولية الكلمة التي يوجهها للناس، أو إن أردت صوابًا فقل: يوجه الناس إليها أو بها، ثم ماذا لو وضع في اعتباره جيدًا نوعية من يتحدث إليهم، مِن حيث مستوى التعليم والثقافة والبيئة وتقييم الوضع الاجتماعي والنفسي، وأهم من هذا كله درجة الوعي الديني أو مستوى الوعي الديني والتربية العقدية.
إن الخطيب لو فعل ذلك لبانت له أكثر وأكثر ضرورة وقوف من يتصدى لمهمة توجيه الناس على أصول وقواعد وقوانين علم الخطابة، ولبان له فائدة دراستها وثمرة معرفة أصولها.