مراسيم لتقويم عيشه والاستعداد إلى معاده، وحسبها شرفًا أنها وظيفة قادة الأمم من الأنبياء والمرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- ومن على شاكلتهم من العلماء العاملين وعظماء الملوك وكبار الساسة".

فالخطابة إذًا ذات أهمية كبرى في حياة الأمم والشعوب والأفراد والجماعات. ومما يوضح ذلك أكثر وأكثر وقوفك على فضلها وعظيم منزلتها وشرفها بين العلوم، فهي سيدة العلوم كلها؛ لأنها لسانها المعرف بها، وصاحبها دائمًا ما يكون صاحب سيادة ومكانة مرموقة، ما إن قام بواجباتها كما ينبغي، ولما كان فضل العلوم والصناعات واستظهار شرفها يتوقف على شرف غايتها؛ فإن الخطابة ذات شأن خطير في غايتها؛ وما ذاك إلا لأن غايتها إرشاد الناس إلى الحقائق، ومواجهة الأباطيل بالتنبيه عليها، وحملهم على ما ينفعهم في عاجلهم وآجلهم.

والخطابة معدودة من وسائل السيادة والريادة والزعامة، وقد كانت من شروط الإمارة، فهي من أساسيات كمال الإنسان، وسبب من أسباب رفعته إلى ذرى المجد، أرأيت كيف أن الخطابة شرفها جسيم وفضلها عظيم، فهلا كنت واحدًا من أرباب هذا المجد الشامخ، في سماء العلوم وذروة سنام الفنون.

إن لدراسة علم الخطابة فوائد كثيرة: أن دراسة علم الخطابة توقف الدارس على معرفة كيفية امتلاك القلوب، واستمالة النفوس، وتهييج المشاعر، وإثارة العواطف الكامنة الهادئة نحو مراده من مستمعيه، فبمعارفها تستضيء موارد الدليل، وتتضح مصادر الحجة لإنفاذ كل أمر جلل وجليل، وإدراك كل غاية شريفة، وبقوانينها يترشد الطالب إلى مواطن الضعف وشعب السهو والزلل، فيقوى على دحض حجة المناظر وتزييف سفسفطة المكابر، كما أنها من جانب آخر تثير الحماسة في النفوس الفاترة، وتهدئ النفوس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015