أيها الناس؛ والله لو أفردت من جمعكم، لجاهدتم في الله حق جهاده؛ حتى أبْلُغ من نفسي عذرًا، أو أقتل مقتلًا. أيها الناس؛ والله لو منعوني عقالًا لجاهدتم عليه، واستعنت بالله إنه خير معين".
وإذا أخذنا نقرأ في خطبه -رضي الله عنه- وجدنا جمهورها وعظًا يستمد مادته من القرآن الكريم وكلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ذلك قوله في خطبة له: "إنّ الله -عز وجل- لا يَقْبَلُ من الأعمال إلّا ما أُريد به وجهه؛ فأريدوا الله بأعمالكم، واعلموا أنّ مَا أخْلَصْتُم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها وحظ ظفرتم به وضرائب أديتموها، وقدمتم من أيامكم الفانية لأخراكم الباقية، اعتبروا يا عباد الله بمن مات منكم، وتفكروا فيمن كان قبلكم؛ أين كانوا أمس؟ وأين هم اليوم؟ أين الجبارون؟ أين الذين بنوا المدائن وحصنوا بالحوائط، وجَعَلُوا فيها الأعاجيب قد تركوها لمن خلفهم، فتلك مَساكنهم خاوية، وهم في ظلمات القبور هل تحس منهم من أحد أو تسمع له ركزًا.
ألَا إنّ اللهَ لا شريك له، ليس بنيه وبين أحد من خلقه سببٌ يُعطِيه به خيرًا، ولا يَصْرِفُ عنه سوءًا إلا بطاعته واتباع أمره، واعلموا أنكم عبيد مدينون، وأنّ ما عِنْدَه لا يُدرك إلا بطاعته، أمّا أنّه لا خَيْرَ بِخير بعده النار، ولا شَرّ بِشَرٍّ بعده الجنة".
واستن بجانب مثل هذه الموعظة سنة الوصية للجيوش الفاتحة، وهو في وصاياه يصدر عن روح الإسلام السمحة، وتعاليمه السامية في معاملة المسلمين فيمن يغلبون عليهم؛ إذ يطلب إليهم ألا يخونوا ولا يغدروا، ولا يُمثلوا ولا يَقْتُلوا طفلًا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا يفسد زرعًا، ولا يستحلُّوا مالًا، ولا يتعرضوا لرُهْبَان النّصارى.
وتصور ذلك كله وصيته لجيشِ أسامة بن زيد حين سيره إلى مشارف الشام، وفيها يقول: "يأيّها الناس، قِفُوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنّي: لا تخونوا ولا