ولقد قال ابن سينا في فائدة الخطابة: "إن صناعة الخطابة عظيمة النفع جدًّا؛ وذلك لأن الأحكام الصادقة فيما هو عدل وحسن أفضل نفعًا وأعم على الناس من أضدادها فائدة؛ لأن نوع الإنسان يعيش بالتشارك والتشارك محوج إلى التعامل والتحاور، وهما محوجان إلى أحكام صادقة، وهذه الأحكام الصادقة تحتاج إلى أن تكون مقررة في النفوس ممكنة في العقائد، والبرهان قليل الجدوى في حمل الجمهور على الحق، فالخطابة هي المعينة بذلك".
وقال في حق الخطيب: "إن الخطيب يرشد السامع إلى ما يحتاج إليه من أمور دينه ودنياه، ويقيم له مراسيم لتقويم عيشه والاستعداد لآخرته".
إن الخطابة هي سلاح المجتمع الإنساني في سلمه وحربه، وفي ترقيته والإسراع به نحو المثل الأعلى الذي يجب أن يقصد إليه، فليس بدعًا أن كانت بلاغ النبيين إلى أممهم، والراح الذي يسكبه القواد في نفوس جنودهم قبيل المعركة، فيسرعون باسمين إلى قتال أعدائهم، وغصن الزيتون يلوح به دعاة السلام في عالم كربه العداء والخصام، والقوة الساحرة التي يقود بها الزعماء السياسيون والمصلحون الاجتماعيون أممهم، إلى حياة أرقى وأعز وأبقى، ولسان الأحزاب السياسية تنشر به دعوتها وتظفر به على خصومها، ونورًا يهدي القضاة إلى العدالة وتبرئة المظلوم والقصاص من الباغي.
ثم هي في العصر الحديث -خاصة- عدة الزعماء والساسة، تستند إليها الديمقراطية وتعتمد عليها الدكتاتورية، ويتسلح بها المؤتمرون في المجامع الدولية، ويصعد عليها النواب إلى قمة الشهرة وذيوع الأحدوثة، ويرتقي بها المحامون إلى الصيت الطائر والثراء الغامر.
وحسبنا في إبراز أهمية الخطابة ما ذكره ابن سينا في كتابه (الشفاء) إذ يقول: "إن الخطيب يرشد السامع إلى ما يحتاج إليه من أمور دينه ودنياه، ويقيم له