في الخطابة الإسلامية، ذلك لأنّ الخُطَباء الإسلاميين من عرب الذين امتازوا بالصراحة والصدق، وهما صفتان تتنافيان مع المبالغة والإغراق.
ثم هم قد امتازوا باستقامة الفكر وسلامة النفس، والإغراق ليس إلا مظهرًا للشطط الفكري، ومُجاوزة حد الاعتدال البياني، وهو من نوع التفيهق الذي نهى عنه الدين، ولهذا باعدوه وتجافوا عنه؛ لأنّه لا يتفق مع الهدي القويم، والسُّنن المُستقيمة.
أما أُسلوب الخطابة في عصر الإسلام؛ فإن الأسلوب الخطابي في العصر الإسلامي بلغ من الإحكام مبلغًا، سما أن عن أن يحاكيه عصر من عصور اللغة، أو ينهج إليه خطباء أي زمن سابق أو لاحق لذلك العصر، وأول ما يلاحظه القارئ لخُطَب ذلك العصر أنّ الخُطبة صارت مجزئة ومقسمة، كل قِسم يَلحق سَابقه.
تبتدأ بمُقَدّمة فيها يحمد الخطيب الله -سبحانه وتعالى- ويثني عليه بما هو أهله، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يهجم على الموضوع فيقدم ما يراه دليلًا لدعواه، وبُرهانًا لما يراه، وبعد أن يتم القول فيه، ويوفي على الغرض يتوجه إلى الله -سبحانه وتعالى- يدعوه أن يوفقه إلى الرّشاد ويُلهمه السداد، ولبعض الخُطَباء صيغة دعاء يَختم بها قوله، قال ابن عبد ربه: كان آخر كلام أبي بكر الذي إذا تكلم به عُرف أنه قد فرغ من خطبته: "اللهم اجعل خير زماني آخره، وخير عملي خواتيمه، وخيرُ أيّامي يوم ألقاك"، وكان آخر كلام عمر الذي إذا تَكَلّم به عُرف أنه فرغ من خطبته: "اللهم لا تدعني في غمرة، ولا تجعلني من الغافلين".
وقد أكثر الخطباء من الاقتباس من القرآن الكريم الاستشهاد به والاستدلال بالمأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعمدون إلى الحديث؛ فينهلون منه، ويتجهون إلى الآية