كانت إما إفهام السنن والأحكام والشرائع، وإما الحث على الجهاد، وإما المشاورة وإبداء الرأي والنصيحة للإمام. وكل هذا يقتضي الوضوح والسهولة.
وكان بمقتضى تعاليم الإسلام، أبعد الناس عن الإغراب والتوعر، والتفيهق والتشدق؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((أبغضكم إليّ الثرثارون المُتفيهقون)) لذلك كان المسلمون يَمِيلُون إلى التكلف في خطبهم بكلام يشبه الكلام العادي في سهولته، وعدم تكلفه لولا انسجام في التعبير، ولولا التحميد والبسملة والثناء على النبي -صلى الله عليه وسلم- وغير ذلك من الأمور التي اختصت به الخطبة في الإسلام.
أما معاني الخطابة في الإسلام: فإنّ المَعاني الخطابية سلكت مسلكًا يتفق مع الحياة الإسلامية في مظاهرها التي سبق بيانُها؛ إذ أنّ تلك الحياة هي التي وجَهّت الخطاب وجهتها، وهي التي استوحت الخطابة منها معانيها، وقد كانت المعاني دينية، فخطبهم في الحروب دعوة إلى مرضاة الله -سبحانه وتعالى- وإعلاء لكلمته ورفع لدينه، ونشر لدعوته. وخطبهم في الشورى صورة لفهمهم الدين كلٌ يدلي بالرأي، ويربط دعواه بالمبادئ الدينية.
وخطبهم في الاجتماع والألفة أدلتهم فيها القرآن الكريم والسنة النبوية، والمبادئ الإسلامية المعروفة من الدين بالضرورة، وهكذا كل أغراضهم الخطابية الدين فيها قطب الرحى، وعليه يدور كلامهم وفيه يختلفون به يتفقون، وذلك لأنّ الدين قد تغلل في كل مظاهر حياتهم، وكان هو المسيطر على ضمائرهم، والقانون الخلقي الذي إليه يحتكمون، والشرع الذي على مقتضاه يسيرون؛ ولأنّ كِتَاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كانا ينبوع المعرفة، الذي إليه يريدون وعنه يصدرون. فلم يكن لهم علم إلا علم الكتاب، ولا معرفة إلا من سنة الرسول عليه السلام فلا عجب إذا صارت معالم الخطابة كلها دينية خالصة.