وهذه أول ثمرة من ثمرات الخطابة، وللخطابة فوق ذلك ثمرات كثيرة؛ فهي التي تفض المشاكل وتقطع الخصومات، وهي التي تهدئ النفوس الثائرة، وهي التي تثير حماسة ذوي النفوس الفاترة، وهي التي ترفع الحق وتخفض الباطل، وتقيم العدل وترد المظالم، وهي صوت المظلومين، وهي لسان الهداية، ولأمرٍ ما قال موسى -عليه السلام- عندما بعثه رب العالمين سبحانه وتعالى إلى فرعون: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} (طه: 24 - 28).

ولا يمكن أن ينتصر صاحب دعاية ومناد بفكرة وصاحب إصلاح إلا بالخطابة، فالخطابة هي الدعامة التي قامت عليها الانقلابات العظيمة والثورات الكبيرة، التي نقضت بنيان الظلم، وهدمت قصور الباطل، فهذه الثورة الفرنسية إنما قامت على الخطابة، وهي التي كانت تؤجج نيرانها وتذكي لهبها.

والخطابة قوة تثير حمية الجيوش وتدفعهم إلى لقاء الموت، وتزيد قواهم المعنوية، ولذلك كان قواد الجيوش المنتصرون في القديم والعصور الحديثة خطباء، ومنهم: نابليون، وعلي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد، وطارق بن زياد، كل هؤلاء القواد حملوا معهم سلاحًا معنويًّا بجوار السلاح الحديدي، والخطباء هم المسيطرون على الجماعات، هم الذين يقيمونها ويقعدونها. وفي الحكومات الشورية يكون الخطباء هم الغالبين، تصدع الأمة بإشاراتهم وتخضع لسلطانهم؛ لأن الغلبة في ميدان الكلام والسبق في حلبة البيان لهم، فآراؤهم فوق الآراء؛ لأنهم يستطيعون أن يلحنوا بحجتهم ويسبقوا إلى غاياتهم، وفي ذلك نشر لسلطانهم ورفعة لهم. فالخطابة طريق للمجد الشخصي كما أنها طريق النفع العام، والحق أن الخطابة مظهر اجتماعي للمجتمع الراقي، تحيا برقي الجماعة وتخبو بضعفها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015