جديدًا في العالم كله بهديه وتقويمه وتأديبه، وأثر ذلك في ألفاظ الخطابة واضح غير خفي.

ثاني الناحتين: أنّ الخُطباء قد أخذوا ينتهجون منهج القرآن الكريم في الاستلال؛ إذ وَجَدوا فيه أبلغ طرق الإقناع الخطابي، لقد اجتمع في أدلة القرآن الكريم ما لا يُمكن أن يجتمع في أدلة سواها، إذ تَجِدُ فيها استقامة المعنى، إذا قسته بمقياس المنطق فتجد المقدمات قد تلاءمت مع نتائجها، وتوافرت فيها شروط الإنتاج كما تجد فيها جمال اللفظ وجودة الأسلوب، ومخاطبة الإحساس وإثارة الرغبة، اقرأ قول الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الأنبياء: 22).

تَجِدُ الدقة المنطقية، وجمال اللفظ ومخاطبة الوجدان قد اجتمعت مع حسن الإيجاز فتعالت كلمات الله سبحانه وتعالى.

وجد الخطباء في القرآن الكريم ذلك، فوجدوا فيه معلمًا لطريق الإقناع والاستدلال، لا يُقاضيهم أجرًا؛ فتأثروا بطريقته، واقتبسوا من عبارته، وشاع بينهم الاقتباس منه، حتى كان من مزايا الخطبة أن تكون مشتملة على شيء من القرآن الكريم.

أما الحديث النبوي الشريف فهو كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- يلي منزلة القرآن الكريم في الاحترام والإجلال، وقد اجتمعت فيه أيضًا فصاحة اللفظ، وجودة المعنى وحسن الأداء. وبلغ من البلاغة الذروة ووصل من الروعة إلى القِمّة، هو جوامع الكلم، وفيه روائع الحكم، هو القول الفصل لا فضول فيه ولا تزيد، أخذ من القرآن الكريم وأوحى إليه به الرحمن لكلامه جلال لا تجده في سواه، وتحيط به هالة روحية تحس منها بشعاع النبوة، ولو أنّ كلامه عرض عليك منسوبًا لغيره؛ لأنكرت النسبة ورددت الحق إلى نصابه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015