المنفعة، وكما أنّهم مُحالٌ أن يُطيقوه ثلاثًا وعشرين سنة على الغلط في الأمر كما تعرف، فكذلك مُحَالٌ أن يتركوه وهم يعرفونه ويجدون السبيل، وهم يبذلون أكثر منه.

وإذا كان أثرُ القُرآن الكريم في مناوئيه، وهم قوم خصوم، وما علمت من تحير ودهشة وعجز، بل إعجاب يخفيه الغرض، ومرض النفس بالشرك والعناد والمخالفة؛ فيكيف يكون أثره بالآخذين بهديه المقتبسين من نوره؟.

لقد أثر القرآن الكريم فيهم أبلغ تأثير، وأفادت الخطابة أعظم فائدة، وجنت منه أكبر الثمرات، وقد كانت استِفَادة الخطابة من القرآن الكريم من ناحتين:

إحداهما: مما اكتسبه اللغة من القرآن الكريم: لقد أكسبها سعة في المعنى، إذ قد أتى بمعانٍ لم يَتوارد العرب من قبل مواردها، كانوا قومًا حسيين، ولُغَتهم حِسّية؛ فجاء القرآنُ الكَريم وحدث عن النفوس، ووصفها فأحسن وصفها، حَلّل نفس الضال، وعلة ضلالة، ونفس المهتدي وعريض اهتدائه. صور تقلبات القلوب وخلجات النفوس، وما يؤثر في المشاعر؛ فدعا ذلك المسلمين إلى الاغتراف من منهله العذب، وشاعت بينهم الأقوال في الأمور المعنوية، وسمت اللغة العربية إلى مستوى ما كان يتهيأ لها بغير القرآن الكريم.

وأثر القول في الأمور المعنوية وحسن تصويرها في الخطابة جلي لا يحتاج إلى بيان، وقد جاء القرآن القرآن الكريم بلفظ سهل متين خالٍ من الألفاظ الخشنة الجافة، يصل إلى الأغراض من أسهل مسالكها، فأعجب بذلك قارئوه وسامعوه؛ فحاكوه في نهجه، وإن لم يُساموه في قدره، وتَهَذّبت به اللغة أتم تهذيب، فسَهُلت عباراتها، ورَقّت أسَالِيبُها، واستأنست ألفاظها، إذ سن لها نوعًا من التعبير لم تنتهجه، فكان فتحًا جديدًا بألفاظه وأساليبه، كما كان فتحًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015