المَثَلان لا يتشابهان، وكثيرًا ما يتناقضان؛ فالشَّجاعة الشخصية، والشّهَامَةُ التي لا حد لها، والجَزم إلى حد الإسراف، والإخلاص التام للقبيلة، والقسوة في الانتقام، والأخذ بالثأر ممن اعتدى عليه أو على قريب أو على قبيلة، بقول أو فعل؛ هذه هي أصول الفضائل عن العرب الوثنين في الجاهلية.

أما في الإسلام فالخضوع لله والانقياد لأمره والصبر وإخضاع منافع الشخص ومنافع قبيلته لأوامر الدين، والقناعة وعدم التفاخر والتكاثر وتجنب الكبر، والعظمة هي المثل الأعلى للإنسان في الحياة.

وقد كانت الخطابة أصدق معبر عن هذا المثل الأعلى، وكان لها دورها البارز في تعميق هذه المفاهيم، في ضمائر المؤمنين؛ وإليك هذا المثل:

"قدم وفد تَميم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- فنادوه من رواء الحُجرات أن اخرج إلينا يا محمد، فلما خرج قالوا: يا محمد، قد جئنا نفاخرك، فائذن لشاعرنا وخطيبنا، قال: ((قد أذنت لخطيبكم فليقل)) فقام فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل وهو أهله، الذي جعلنا ملوكًا ووهب لنا أموالًا عظامًا نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عددًا وأيسره عدة، فمن مثلنا في الناس! ألسنا برءوس الناس وأولي فضلهم؟ فمن يفاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإنا لو نشاء لأكثرنا من الكلام، ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا، وإنا نعرف بذلك أقول هذا الآن لتأتونا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا".

إنّ هذا الخطيب يُمَثّل وجهة نظر الجاهلية المدفوعة بعامل التفاخر، والمكاثرة بالمال؛ هذا التفاخر الذي وصل به إلى مرتبة تحدى الناس جميعًا أن يكونوا مثلهم في قوله منكرًا: "فمن مثلنا في الناس".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015