وإذا عرفنا موضوعات الخطابة في الجاهلية وموضوعاتها في الإسلام، ومميزات الخطابة في الجاهلية ومميزاتها في الإسلام. إليك هذه المقارنة بين الخطابة في الجاهلية، والخطابة في الإسلام، كيف حرر الإسلام الخطابة من حمية الجاهلية؟
نقول: تعبير الإنسان خط بارزٌ من خُطوط شخصيته، والعالمون بطبيعة الإنسان يقررون أن العقل المنضبط في تصوراته يستتبع بالضرورة انضباط اللسان في أدائه، ولكي يصل المتكلم إلى ما يريد، لا بد من الأمرين معًا: عقل سليم، وتعبير سليم. ولا بد من الوعي بهذه الحقيقة، هذا الوعي الذي يفرض علينا وزن الكلمة قبل استعمالها من حيث كانت دليلًا علينا.
والأديب والخطيب أحد صناعي الأمة، والمُعبرون عن آمالها وآلامها، وإذ تمضي الأحداث وتنصرم الأيام؛ فإن قلم الأديب ولسان الخطيب يستبقيها ويجليها، وكلاهما مرآة تنعكس عليها أحداث الحياة، وتبقى ماثلة في ضمير الأمة، ما دام فيها خطيب وأديب، ولكن لن تكون للكلمة وصناعتها تلك القيمة إلا إذا ارتبطت بهدف سام، وخلق نبيل، وعبرت عن الفضائل، بل وحَشرت ملكات النفوس؛ للتّعلق بها، والاستشهاد في سبيلها، وكذلك كان الإسلام في مجال الخطابة التي حررها من حمية الجاهلية؛ لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتسير بالحياة والأحياء في الاتجاه الصحيح. وتلك هي نقطة الخلاف بين الإسلام والاتجاهات المُلحدة قديمًا وحديثًا.
وقد عقد "جولد زيهر" فصلًا بعنوان "الدين المروءة" وهو يتلخص في: "إن الإسلام رسم للحياة مثلًا أعلى غير المثل الأعلى للحياة في الجاهلية، وهذان