شخصية، وجّهَه الإسلام إلى الفضائل الاجتماعية، ليلتئم مع سواه. وبعد أن كانت الشجاعة في المبارزة والمناضلة للمفاخرة، صارت في الجهاد في سبيل الله لرفع كلمة الله.
تغلغل الدينُ في كل شيء في هذا العصر؛ فصاروا لا يَصدرون في عمل إلا عنه، وكانوا كُلّما جدّ شَأن أخذوا حُكْمَه من الدين.
أما الأحوال الاجتماعية؛ فقد قُلنا: إنّ الدّين كان يَسود في كل شيء، ولذلك ساد في أكثر نواحي الحياة الاجتماعية، وما لم يسده كان واقعًا تحت تأثير اجتماعي تقليدي؛ تنتقل فيه الأخلاق بالعدوى لا بالفكر والإرادة، ومهما يكن من شيء فقد امتازت الحياة الإسلامية الأولى في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأكْثَر زمن الخلفاء الرائدين بمظاهر اجتماعية؛ منها محو العصبية، أو سترها إلى حين، وانتقال العرب من البداوة إلى الحضارة.
كذلك الأحوال السياسية قد تغيرت في الإسلام عنها في الجاهلية؛ فقد اجتمع العرب تحت لواء واحد، لا يُسَيطر عليهم إلا الدين، وذهبوا إلى الممالك واستولوا عليها، وورثوا سلطان الفرس وسلطان الروم في الشرق، وصاروا حُكّام هذه الأمم، يتضافرون في إدارة شئونها، ويتآزرون في هدايتها؛ فوَحّدوا أمرهم، وجمعوا أشتاتهم، وجعلوا الحكم ليس مظهرًا عصبيًّا، ولكن مظهر لوحدة دينية.
أما موضوعات الخطابة في الإسلام:
فلقد كان الإسلام نهضة عامة شاملة لم يعهد لها من قبل في العالم مثيل؛ وكانت الخطابة ولون من الشعر أخذ طابعها، ونحا منحاها عماد هذه النهضة؛ وأداة فعالة من أدواتها، لقد كانَتْ هَذه النّهضة دينية في رُوحها وأساسها،