وتبدأ الخطبة الأولى في الجُمع بحمد الله تعالى، وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ويُؤثر عن الرّسول أنّه كانَ يقولُ في فاتحة هذه الخطبة: "الحمد لله نحمده ونستعينه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له".

وعادة يتلو الخطيب من الخطبة الأولى لصلاة الجمعة بعض آي القرآن الكريم؛ حتى يستلهمها في موعظته، وإذا انتهى منها جلس. ثم يقوم للخطبة الثانية، وفيها يكثر من الدعاء، ويقال: إنه كان آخر دعاء أبي بكر في الخطبة الثانية: "اللهم اجعل خير زماني آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم لقائك".

وطبيعي أنْ تقضي هذه الخطابة على كل لون قديم من خطابة الجاهلية، لا يَتّفِقُ ورُوحَ الإسلام، ولا نَقْصِدُ سَجع الكُهّان، الذي كان يرتبط بدينهم الوثني فحسب، بل نقصد أيضًا خطابة المنافرات؛ فقد نهى الإسلام عن التكاثر بالآباء والأحساب والأنساب، وإن ظلت لذلك بقية في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين كانت تفد عليه وفود العرب.

وحتى نعرف ما طرأ للخطابة من تغيير في الدواعي والأغراض في عصر الإسلام يجبُ أن نعرف ما طرأ على النفس العربية؛ من تغيّر في مظاهرها وأحوالها الدينية والاجتماعية والسياسية:

أما أحوال العرب الدينية؛ فلقد كانوا يعبدون الأوثان، ويكاد يكون لكل قبيلة إله تعبده، فلما جاء الإسلام جمَعهم على عبادة الله وحده لا شريك له؛ فالإسْلَامُ -كما ترى- كلُّ فَضَائِلِه لتربية النّفس وتزكيتها، وجَعَل العربي وكل مسلم صالحًا للائتلاف مع غيره، وبعد أنْ كانت كل فضائله في الجاهلية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015