يَشْمَلُ الجزء الأكبر من خطب الخطباء، ما امتاز كلام الكهان عن سواه، وما صار له لون يغير بقية الكلام.

وقَبْلَ أن نختم الكلام في الأساليب العربية نتكلم على الإيجاز والإطناب في خطبهم فنقول:

لم نجد في المأثور عن العرب خطبة طويلة، بل كلها موجز، ولعل الذي بين أيدينا جزء من خطبة طويلة علق بالقلوب، وذهب أكثرها في ضلال نسيان الراوي، أو لخُطب قصار حفظها الرواة لقصرها، وعجزوا عن ضبط الطوال لطولها، وذلك لأنّ أخبار العلماء والأدباء والرواة، تَدُلّنا على أن العرب كانت لهم خطب طوال، وأخرى قصار، ولكل حال تقتضيه في نظرهم؛ ففي خطب النكاح مثلًا يُطيل خاطب ويقصر المجيب، وفي خُطَب الصُّلح كانوا يطيلون. وقد كانوا في إطالتهم وإيجازهم بلغاء أقوالهم محكمة.

وقد قال الحافظ في وصف الطوال منها: "ومن الطوال ما يكون مستويًا في الجودة، ومشاكلًا في استواء الصنعة، ومنها ذوات الفقر الحسان، والنُّتف الجياد". وقال في وصف العرب بشكل عام: "ولم أجد في خطب السلف الطيب، والأعراب الأقحاح ألفاظًا مسخوطة، ولا معاني مدخولة، ولا طبعًا رديًّا، ولا قولًا مُستكرهًا".

الخطابة في عصر الإسلام

ثانيًا: الخطابة في عصر الإسلام:

كانَ ظُهور الإسلام إيذانًا بتطور واسع في الخطابة؛ إذ اتخذها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أداة للدعوة إلى الدين الحنيف، طُوالَ مقامه بمكة قبل الهجرة؛ حيثُ ظَلّ ثلاثة عشر عامًا يعرضُ على قومه من قريش، وكُلّ من يلقاه في الأسواق آيات القرآن الكريم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015