الكهان، وأحيانًا يأتون بجمل مزدوجة كما نرى في خطب الوفد العربي لدى كسرى، وأحيانًا يُرسلِونَ القَوْلَ أرسالًا، ولكن أيها كان أكثر وأشيع؟!
لقد اختلف الأدباء في الإجابة عن هذا السؤال، ففريق يقول: إن السجع والازدواج كان أكثر شيوعًا على ألسنة الخطباء من الأرسال؛ لأنّ المَروي من خطب الجاهلية أكثره مسجوع أو مزدوج، وإنك لا تقرأ ما رواه (الأمالي) و (العقد الفريد) وغيرهم من كتب الأدب منسوبًا إلى العصر الجاهلي؛ فترى أن أوضح ما يظهر في ديباجته السجع والازدواج، ولا يطعن في هذا بالشك في صحة النسبة، أو بالرواية بالمعنى؛ لأن من يقول قولًا على لسان غيره ولو كان كاذبًا يجتهد في أن يكون كلامه صورة قريبة مما يجري على ألسنة من ينحلهم قولًا.
فالرواة الذين نحلوا الجاهليين تلك الخُطب لا بد أن يأتوا بكلامهم على النحو الذي يعرفه الناس من العصر الجاهلي، فإذا أتوا بذلك الكلام مسجوعًا؛ فهو يَدُلّ على أنّ الناس في عصر الرواة ما كانوا يعرفون عن خطب العرب إلّا أنّ أكثرها مسجوع، وحَسْبُك هذا دليلًا على شيوع السجع عند الجاهليين.
ويَرى آخرون أنّ الأرسال هو الأكثر شيوعًا على ألسنة الخُطباء؛ لأنّه هو الذي يتفق مع الارتجال والقول على البديهة اللذين عُرِفَا في العرب؛ ولأنه هو الذي يساوق الفطرة، ولأنّ أكثر كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ثبتت صحته، وأكثر خطب الصحابة التي لا مجال للطعن في صدقها مرسل قليل السجع والازدواج، وأكثر أولئك أدرك العصر الجاهلي؛ فلو كان السجعُ طَريقًا خطابيًّا معروفًا مألوفًا لهم ما خالفوه، ولا نَعرف أنّ من أوامر الشّرع ما يَدْعُوهم إلى المخالفة والابتعاد عن أمر معروف عند الجاهليين أنهم من طرائق التأثير البياني.
ولأنه قد تواتر عن العرب: أنّ الكُهّان كان لهم كلام متمايز بدباجته يخالف مألوف العرب، وامتاز ذلك الكلام بالسّجع المُلتزم؛ فلو كان السجع أمرًا شائعًا