كانت فُرصة اجتماع، تتلاقى القلوب المتنافرة، وقد اشتدت الدعوة إلى الوحدة العربية قبيل البعث النبوي، عندما اشتد طمع الأجنبي فيهم، وهاجَمَهُم في موضع تقديسهم.
وانظر إلى خُطْبَة عبد المُطّلب جَدُّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- أمام سيف بن ذي زين، عندما ذهب إليه في وفد من قريش بعد أن أجلى الحبشة عن بلاد العرب، انظر إلى هذه الخطبة ترى فيها دعوة جريئة للوحدة العربية، جاءت في ثنايا المدح والثناء.
سادسًا: الرثاء والعزاء:
لقَد كانَ العَربِيُّ حساسًا؛ يدْفَعُه ألمُ الفقد فينطق اللسان ببيان محامد من فقده، ومَوْضِع الآلام في نفسه، والرّثاء ميدان واسع للقول البليغ، يَكْشِفُ فيه اللسان عن ألم اللوعة، وحزها في النفس؛ إذ ينفتق بما انفطر به القلب، وانشقت المرائي، وقد يجيء العزاء بالسلوان وتصغير الدنيا وآلامها.
كما قال أكثم بن صيفي معزيًا عمرو ابن هند في أخيه: "أيها الملك، إنّ أهلَ هذه الدنيا سفر، لا يحلون عقد الترحال إلا في غيرها، وقد أتاك ما ليس بمردود عنك، ورحل عنك ما ليس براجع إليك، وأقام معك من سيظعن عنك ويدعك، إنّ الدنيا ثلاثة أيام: فأمس عظة وشاهد عبْل؛ فجعك بنفسه، وأبْقَى لك وعليك حُكْمَه، واليومُ غَنِيمَة، وصديق أتاك ولم تأته، طالت عليك غيبته، ومتسرع عنك رحلته. وغدًا لا تدري من أهله، وسيأتيك إنْ وُجِد، فما أحسن الشكر للمنعم، والتسليم للقادر، وقد مَضتْ لنا أصولٌ نحنُ فُروعُها، فما بقاء الفروع بعد أصولها، واعلم أنه أعظم من المصيبة سوء الخلف منها، وخير من الخير معطيه، وشر من الشر فاعله".